أهمية الإرشاد النفسي الديني والحاجة إليه وتطبيقاته لأحد الاضطرابات النفسية
يستمد الإرشاد النفسي الديني أهميته من قسمين أساسيين: أهميته كإرشاد نفسي ، وأهميته كإرشاد ديني ، ويمكن توضيح ذلك كما يلي :
القسم الأول : أهمية الإرشاد النفسي الديني كإرشاد نفسي :
يؤدي الدين جملة من الوظائف التي لا غنى عنها لكل من الفرد والجماعة ، وكونه عاملاً مهماً في حياة الإنسان النفسية ، وعنصراً أساسياً في نمو شخصيته ، وأعظم دعائم السلوك ، حيث يوفر قاعدة وجدانية تضمن الأمن والاطمئنان النفسي والاتزان الانفعالي ، وتفاؤل وحب للحياة ، وعدم النظرة إليها نظرة تشاؤمية ، وتأكيد الهوية ؛ لما يوفره الإحساس الديني من الإحساس بالسعادة والرضا والقناعة والإيمان بالقضاء والقدر ، ويخفف من وطأة الكوارث والأزمات التي تعترض طريق الفرد ، فيشعر الفرد بالاطمئنان وعدم الخوف أو التشاؤم من المستقبل ، من خلال إطار علاقة الإنسان بخالقه ، التي تعد موجهاً لسلوكه في شتى منـاحي الحياة ، وفي كل مرحلة عمرية من حياة الإنسان (سعيد إبراهيم ، 1993 ، 143) ، (عبد الرحمن العيسوي ، 2000 ، 149 – 150) ، (رجاء عبد الرحمن الخطيب ، 2002 ).
وتتسم مرحلة المراهقة بنوع من اليقظة والنضج الديني ، والحاجة إلى تعقل الدين والشعائر الدينية ، وإن علم النفس وعلم الاجتماع قد أفردا فرعاً مستقلاً لتناول الظاهرة الدينية سميا : علم النفس الديني The Psychology of Religious وعلم الاجتماع الديني The Sociology of Religious على أساس أن الدين يعد تجسيماً لأعلى الطموحات الإنسانية بإعتباره حصن الأخلاق ، الذي يعد المصدر الأساسي لأمن الأفراد لتحقيق السلام الداخلي لهم (عبد الباقي الهرماسي ، 1990 ، 16) .
وأظهرت الكثير من البحوث والدراسات أن الدين يؤدي دوراً إيجابياً في الوقاية من أعراض الاضطرابات النفسية لدى المراهقين ؛ نظراً لارتباط ارتفاع مستوى التدين بالكثير من الجوانب الإيجابية لدى الأفراد ، فيؤدي إلى صحة نفسية أفضل وقدرة أكبر على مجابهة الأمراض والتغلب على آثارها السلبية وسرعة الشفاء من الأعراض النفسية والقدرة على تحمل الضغوط الناتجة عن أحداث الحياة القاسية (Smith , 2003 , 259 – 267)، وعلى الجانب الآخر أشارت العديد من الدراسات كدراسة Bergin , etal , 1987 ، ودراسةetal , 1989 Watsong، ودراسة رشاد علي عبد العزيز موسى (1992) إلى وجود علاقة ارتباطيه موجبة بين التوجهات الدينية وتقدير الذات ، ووجود علاقة ارتباطية سلبية مع كل من القلق والاكتئاب ، وأن الأفراد الأكثر تديناً أقل قلقاً واكتئاباً وأكثر تأكيداً لذواتهم.
وإن من أبرز الوظائف التي يؤديها الدين للفرد والجماعة تحقيق الاستقرار النفسي ، فحينما يصاب الأفراد بالتمزق النفسي والصراعات الداخلية يحقق لهم الدين توازناً نفسياً عن طريق ما يسوقه من علاج نفسي ، وتوجيه إلهي ، لقول الله تعالى : " أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ " ( الزخرف ، 32) ، ففي حمى الدين تخف وطأة الحياة ، وتهون أمور الدنيا ، وتصبح هذه المظاهر أمراً ثانوياً وبعيداً عن المألوف ( إبراهيم محمد عطا ، 1988 ، 126 – 127 ) .
ويؤدي الشعور الديني إلى الإحساس بالسعادة والرضا والقناعة والإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره ، الذي يعين الفرد على مواجهة الضغوط ، ويمنح الثقة والقوة لمواجهة التحديات والأزمات التي تعترضه في مجرى حياته ، فيكون الملاذ وقت الشدة ، الذي يشعره بالأمان وعدم الخوف والتشاؤم ، لليقين بأن الله - U - يتدخل في الأحداث المهمة من أجل الأفضل دائماً ، الذي يتحقق للفرد من خلال : الدعاء ، والصلاة ، والشكر مما يوفر له أسمى صور الـدعم والطمأنينة (سعيده محمد محمد أبو سوسو ، 1986) ، (عادل محمد هريدي ، وطريف شوقي فرج ، 2002) .
ولذلك يذهب كل من Kipartrick 1994 ، وربيع عبد العليم 1997 إلى أنه مع هذا الدعم تتناقض مشاعر الخوف والقلق ، وخاصة قلق المستقبل، فيطمئن الفرد على مصيره المستقبلي ؛ الأمـر الذي يسهم في تحقيق السـواء النفسي ، لاعتباره بعداً أساسياً للشخصـية السوية .
إن للدين وظائف وآثاراً نفسية واجتماعية على الفرد والمجتمع ، حيث يزود الفرد بنسق من القيم والمبادئ والمعايير والمحكات الاجتماعية التي توفر له التكيف مع من حوله ، ويزوده برؤية عالم آخر غير محسوس فيه الخلاص ، تشعره بالاستقرار النفسي ؛ لأنه بمثابة الإطار المرجعي المعياري الذي يلجأ إليه الفرد في سعيه لكل ما قد يواجهه من مختلف صور الصراع (محمد أحمد بيومي ، 1991) ، (رشاد على عبد العزيز موسى ، 1997 ) .
وأجـمل عدلي على أبو طاحون (1999 ، 21- 23 ) الوظـائف النفسية والاجتماعية للدين فيما يلي :
1- توفير نظام من الضبط الاجتماعي من خلال المساهمة في تكوين ضمير الفرد والجماعة، حيث تقوم المبادئ الدينية ، وما يرتبط بها من قيم ومعتقدات مختلفة بتقوية الضبط الاجتماعي الداحلى ، وبهذا أسهمت في تكوين ضمير الإنسان وتقوية دواعي الخير لديه.
2- يساعد الدين على توفير الأمن الذي يعد مصدراً أساسياً للصحة النفسية ، واختفاء عوامل القلق النفسي لدى مختلف الأفراد في المجتمع ، حيث أن قيام الدين بمحاولة التنبؤ بأسرار ما بعد الحياة واتجاهه لتبشير المؤمنين خيراً ، وتوعد المسيئين شراً ، يعمل على حل الكثير من الاضطرابات النفسية ، وبالتالي تقوية عوامل الاستقرار في حياة الفرد .
3- القيام بوظيفة تثقيفية تعليمية من خلال القصص الديني عن حياة السابقين .
بينما يرى رشاد عبد العزيز موسى ( 1993 ، 556) أهمية الإرشاد النفسي الديني في أثر سيكولوجية الدين في علاج الاضطرابات النفسية باختلاف أنواعها ، الأمر الذي يدعم الاهتمام ببرامج الإرشاد النفسي الديني وفاعليتها في علاج الاضطرابات ، يعد بمثابة إضافة جديدة للتراث السيكولوجي .
ونجد في كلام الحق تبارك وتعالى أفضل توجيه وأصوب إرشاد ، وذلك لأنه عندما يخاطب النفس الإنسانية ، فإنما يخاطبها مخاطبة العليم بأسرارها الخبير بما يفسدها ويزكيها ، المطلع على مواطن القوة والضعف فيها ، مصداقاً لقول الله تعالى : " أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ " ( الملك ، 14) ، وفي سنة النبي - r - إيضاح للمنهج الإرشادي المتكامل في القرآن الكريم ، وتفصيل لما جاء مجملاً فيه ، كما أنه ما تركه لنا سلفنا الصالح من تراث له قيمته ، لم يخرج عن نطاق المصدرين الأساسيين لديننا الحنيف ، الكتاب والسنة ، وكان على ضوئهما (سعيد إسماعيل القاضي ، 1993، 448).
فالدين عنصر أساسي في حياة الإنسان حيث تشمل التربية السليمة التربية الدينية ، كما يتضمن النمو السوي النمو الديني ، وتشمل الصحة النفسية السعادة في الدنيا والآخرة ، ولذلك فالتربية الدينية المبكرة تعد وسيلة وقائية لصحة الإنسان النفسية فهي تساعده على تكوين نظام ثابت من القيم والمعايير الأخلاقية حيث تصبح ركيزة أساسية تقوم عليها أساليب تكيف الإنسان ، وبقدر ما يفيد سلوكه وتفكيره من هذا النظام بقدر ما يكون أقدر على التكيف النفسي ( حامد عبد السلام زهران ، 1995، 377) ، ( مصطفى فهمي ، 1976 ، 17) ؛ لأنه الملاذ من المشكلات الانفعالية والصدمات النفسية بما يحمله من أفكار وقيم قد تكون علاجاً لكثير من المشكلات التي يقع فيها الفرد ، والتي قد تؤثر في نفسيته تأثيراً كبيراً ، فكثير من الناس يكون التخفيف للكثير من آلامهم النفسية يكمن في تذكرهم المفاهيم الدينية مما يجعلهم يجدون في ذلك راحة نفسية وطمأنينة روحية ، ويخفف الدين القلق النفسي وله صلة كبيرة بالنمو العام عند المراهقين (رشاد على عبد العزيز موسى ، 1992 ، 113).
وبجانب ذلك نجد اختلافات كثيرة بين المدارس المختلفة للعلاج والإرشاد النفسي في نظرتهما إلى طبيعة الدوافع المحركة للسلوك ، وإلى طبيعة التهديدات المثيرة للقلق ، والمثيرة لنشوء أعراض الأمراض النفسية ، تجعل من الصعب الوصول إلى اتفاق عام بين هذه المدارس المختلفة حول نظرية متكاملة في الشخصية وتوافقها ، فكل مدرسة من هذه المدارس تنظر إلى الإنسان من زاوية معينة ومحددة ( محمد عبد الفتاح المهدي ، 1990 ، 38 -39).
فكل نظرية إرشادية ، وحتى الإرشاد النفسي التكاملي أهمل أهم مؤثر في النفس الذي يسبب الوحدة والتكامل للإنسان ، ألا وهو " الروح " ، وعلاقة الفرد بربة ( ناهد عبد العال الخراشي ، 1999 ، 58 ) ، (Qulsoom Inayat 2001 ).
ولقد بدأت تظهر منذ بداية الستينات حتى الآن المقدمات التي قام بها علماء النفس التي تنادي بأهمية الإفادة من التعاليم والقيم الـدينية في الإرشاد النفسي والصحة النفسية ، وترى أن الإيمان الحقيقي بالله قوة هائلة تمد الإنسان المتدين بطاقة روحية تعينه على تحمل مشاق الحياة وتجنبه القلـق الناتج عـن الاهتمام بالحياة المادية (محمـود إبراهيم عبد العزيز فـرج ، 1998 ، 6 – 7) ، ( رجـاء عبد الرحـمن الخـطيب،2002).
تمثلت تلك الاتجاهات في كتابات : عبد الوهاب حموده (1962) القرآن وعلم النفس ، ومحمد ماهر عمر (1983) ملامح علم نفس إسلامي ، وحسن محمد الشرقاوي (1984) نحو علم نفس إسلامي ، وسيد عبد الحميد مرسي (1985) سلسة دراسات نفسية إسٍلامية " الشخصية السوية" ، ومحمد عثمان نجاتي (1987) القرآن وعلم النفس ، والحديث النبوي وعلم النفس (2000) ، ومحمد عبد الفتاح مهدي (1990) نحو علم نفس إسلامي " العلاج النفسي في ضوء الإسلام " ، وسيكولوجية الدين والتدين (2002) ، ورشاد على عبد العزيز موسى (1993) علم النفس الديني ، أساليب العلاج النفسي في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية (2001) ، الإرشاد النفسي في حياتنا اليومية في ضوء الوحي الإلهي والهدي النبوي (2001) ، العلاج الديني (2001) ، محمد يوسف خليل (1994) ، تلاوة القرآن الكريم وأثرها على اطمئنان النفس ، ومحمد عوده ، كمال مرسي (1994 ) الصحة النفسية في ضوء علم النفس والإسلام ، وعبد العلى الجسماني (1996) علم النفس القرآني والتهذيب الوجداني ، ومصطفى محمود (1998) علم نفس قرآني جديد ، وعبد الرحمن محمد العيسوي (2001) سيكولوجية الإسلام والإنسان المعاصر ، ومحمد محروس الشناوي (2001) بحوث في التوجيه الإسلامي للإرشاد والعلاج النفسي ، ومحمد رمضان محمد (2006) ، الإعجاز العلمي للقرآن الكريم في علم النفس والتحليل النفسي.
وأشارت العديد من الدراسات إلى أهمية استخدام المفاهيم الدينية في الإرشاد والعلاج النفسي وتحقيق الصحة النفسية ، ومنها : دراسة سيد صبحي 1980 ، وحامد عبد السلام زهران 1985 ، ومصطفى الشرقاوي 1985 ، وإسعاد عبد العظيم البنا 1990 ، وStark , 1990 ، وPark et al , 1990 ، وزينب محمود شقير 1991، وSung mook & Christelle 1993 ، و Azhar et al , 1994 ، وعبد الرقيب البحيري وأخرون 1994 ، و Azhar , etal , 1995 ، و محمد عبد التواب معوض 1996 ، ومحمود إبراهيم عبد العزيز فرج 1998 ، وعبد الباسط خضر 2000 ، و Berry , 2002 ، و محمد محروس الشناوي 2001، ومحمد عمار 2001، و Qulsoom Inayat 2001، وSalleh Mobd , et al , 2002 ، وناصر بن إبراهيم المحارب 2003، وإيمان حسني محمد العيوطي 2004 ، وهناء يحي أبو شهبه 2004 ، وهناء أبو شهبه 2006.
القسم الثاني : أهمية الإرشاد النفسي الديني كإرشاد ديني
يحتل التدين مكانة بارزة بين حاجات الأفراد ، بوصفه دافعاً فطرياً لدى الفرد للتوحيد وعبادة الله ، وطلب العون منه سبحانه ، وقد أعتبرهAllport حاجة نفسية موروثة ، فمعظم الناس عبر تاريخ البشرية يمارسون شكلاً ما من أشكال التدين ، يمثل لهم محدداً لهويتهم (محمود حمدي زقزوق ، 2001 ، 18) ، (عادل محمد هريدي ، وطريف شوقي ، 2002 ، 49).
وقد أقر الدين الإسلامي بفطرية التدين لدى الأفراد ، ففي القرآن الكريم ، نجد قول الله تعالى : " وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ " ( الأعراف ، 172) ، وقول الله تعالى : " فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ " ( الروم ، 30 ) ، وفي السنة النبوية ، نجد قول النبي - r- : " ما من مولود إلا يولد على الفطرة " (رواه مسلم ، وأحمد ).
ولذا يشير محمد عودة ، وكمال مرسي (1994، 104 -105) إلى أن الحاجة للتدين استعداد فطري عند الإنسان ، وهي حاجة ملحة نامية ، يتعلم الفرد كيف يشبعها من خلال عمليات التنشئة الاجتماعية في البيت والمدرسة ، وأن التدين الحقيقي الجوهري أفضل من التدين الظاهري في إشباع الحاجة إلى التدين ، وينادي علماء علم النفس والطب النفسي والصحة النفسية بضرورة تنمية الحاجة إلى الدين وإشباعها للوقاية من الاضطرابات النفسية .
وتعتمد الصحة النفسية أساساً على الالتزام بفطرة الله تعالى التي فطر الناس عليها ، وهي عقيدة التوحيد ، وعبادة الله تعالى ، واتباع المنهج الذي وضعه للإنسان في الحياة ، والذي بينته لنا السنة النبوية ، وما دام قلب الإنسان على الفطرة السليمة المكملة بالشريعة المنزلة ، يكون الإنسان سوياً متمتعاً بالصحة النفسية ، ولكن إذا ما تأثر الإنسان بمؤثرات غير ملائمة من البيئة يكون من شأنها تحول القلب عن فطرته السليمة المستقيمة ، وأصيب الإنسان ، أي بالمرض النفسي ( محمد عثمان نجاني ، 2000 ، 309) .
لقد كان إشباع دافع التدين على مر العصور سبيلاً لتخفيف التوتر الذي لدى الفرد ، خاصة عندما تتهدد حياته أو تغلق أبواب الحلول لمشكلاته ، فيدعوا ربه ، وتتجه فطرته إلى مالكها بأي سبيل من السبل ، لقول المولى - U - : " قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ " ( الأنعام ، 63) ( حمدي الفرماوي، 2001، 129) .
ويشير فيصل محمد خير الزراد (2002، 235) إلى أن معظم علماء النفس المحدثين يرون أن الإرشاد النفسي الديني يعمل على إصلاح السلوك لما له من تأثير قوي في النفس وفي السلوك، فالقرآن الكريم حافل بالآيات الكريمة التي تعتبر منهجاً للهداية والشفاء والاستقامة بالسلوك ، لقول الله تعالى : " نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى " (الكهف ، 13) ، " وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً " (الإسراء ،82) ، " يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ " ( يونس، 57 ) ، " وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ" (الشعراء، 80).
وتشير إيمان حسني محمد العيوطي (2004 ، 10 -11) إلى أن أهمية الإرشاد النفسي الديني كإرشاد ديني تظهر في أنه يتناول معطيات دينية ذات أساس سماوي وليس وصفي ، تمس الجوانب الروحية والأخلاقية في الإنسان مما يجعل له طبيعة خاصة ، أدت إلى ظهور اهتمام واضح به في كثير من الدول ، وخاصة العربية ، بحيث ألزمت خريجي معاهدها وكلياتها الدينية بالاهتمام بمراكز الخدمة الاجتماعية والعلاج النفسي .
وتبرز الحاجة إلى الإرشاد النفسي الديني لكون المجتمعات تشهد حالة من تزايد الوعي بالهوية الثقافية ، من خلال البحث عن معالم قومية لعلم النفس بصفة عامة ، والإرشاد النفسي بصفة خاصة ، استناداً لما أشارت إليه العديد من الدراسات والأبحاث إلى عدم ملاءمة أساليب الإرشاد الأخرى للمجتمعات الإسلامية .
ولذلك فإن نقل الإرشاد كما هو معروف من المجتمعات الغربية إلى المجتمعات الإسلامية، ليس مناسباً ، لأنه ليس النموذج الأمثل للتطبيق في هذه المجتمعات ، لاعتبارات كثيرة من أهمها ما يلي :
أ- يعد نقل الإرشاد من مجتمع إلى مجتمعات أخرى تختلف عنها في عقيدتها ومناهج الحياة فيها من الأخطاء المنهجية ما ينبغي إعادة النظر فيها ، لأن الإرشاد لا يمارس في معزل عن قيم وعادات وفلسفة الحياة والمجتمع الذي يطبق فيه.
ب- بالرغم من نمو الإرشاد في المجتمع الغربي في العقدين الماضيين ، إلا أن الاضطرابات النفسية أخذت في التزايد ، مما يدل على عدم قدرته على تحقيق أهدافه في تلك المجتمعات (كمال إبراهيم مرسي ، وبشير الرشيدي ، 1988 ، 10 -11) .
ج- وجود فروق جوهرية بين الثقافة الغربية التي نشأ فيها النموذج الإرشادي والثقافة العربية الإسلامية التي ينتقل إليها ، وتتلخص هذه الفروق في : فلسفة الحياة ونظامها ، طبيعة الإنسان وأهدافه وغاياته في الحياة ، والأخذ بالأسباب والتوكل على الله (كمال إبراهيم مرسي، 1999، 105).
د- اختلاف قيم المجتمع العربي الإسلامي عن قيم المجتمع الغربي في العقيدة ، ومنهج الحياة الذي ترتب على اختلاف ثقافتهما ، الأمر الذي يؤدي بطبيعة الحال إلى اختلاف طبيعة الإرشاد والحاجة إليه وأهدافه في مجتمعنا العربي عن المجتمع الغربي (راشد القصبي ، 1995 ، 39) .
هـ- الإرشاد والعلاج النفسي الفعال هو الذي يرتبط بثقافة المجتمعات ويتفق مع معتقداتها وقيمها، ويساند نظرة الإنسان فيها إلى الحياة ، وعلى المرشد أو المعالج النفسي أن يكون واعياً بخصوصيات ثقافة المسترشد حتى يرشده ويعالجه في إطارها ( باترسون ، 1990) .
و- إن الكثير من علماء النفس في البيئة الإسلامية أدركوا أهمية التأصيل الإسلامي للإرشاد النفسي فأخذوا ينقبون في القرآن الكريم والسنة الشريفة واجتهادات علماء المسلمين ، مما يسهم في بناء علم نفس إرشادي مرتبط بالثقافة الإسلامية
يستمد الإرشاد النفسي الديني أهميته من قسمين أساسيين: أهميته كإرشاد نفسي ، وأهميته كإرشاد ديني ، ويمكن توضيح ذلك كما يلي :
القسم الأول : أهمية الإرشاد النفسي الديني كإرشاد نفسي :
يؤدي الدين جملة من الوظائف التي لا غنى عنها لكل من الفرد والجماعة ، وكونه عاملاً مهماً في حياة الإنسان النفسية ، وعنصراً أساسياً في نمو شخصيته ، وأعظم دعائم السلوك ، حيث يوفر قاعدة وجدانية تضمن الأمن والاطمئنان النفسي والاتزان الانفعالي ، وتفاؤل وحب للحياة ، وعدم النظرة إليها نظرة تشاؤمية ، وتأكيد الهوية ؛ لما يوفره الإحساس الديني من الإحساس بالسعادة والرضا والقناعة والإيمان بالقضاء والقدر ، ويخفف من وطأة الكوارث والأزمات التي تعترض طريق الفرد ، فيشعر الفرد بالاطمئنان وعدم الخوف أو التشاؤم من المستقبل ، من خلال إطار علاقة الإنسان بخالقه ، التي تعد موجهاً لسلوكه في شتى منـاحي الحياة ، وفي كل مرحلة عمرية من حياة الإنسان (سعيد إبراهيم ، 1993 ، 143) ، (عبد الرحمن العيسوي ، 2000 ، 149 – 150) ، (رجاء عبد الرحمن الخطيب ، 2002 ).
وتتسم مرحلة المراهقة بنوع من اليقظة والنضج الديني ، والحاجة إلى تعقل الدين والشعائر الدينية ، وإن علم النفس وعلم الاجتماع قد أفردا فرعاً مستقلاً لتناول الظاهرة الدينية سميا : علم النفس الديني The Psychology of Religious وعلم الاجتماع الديني The Sociology of Religious على أساس أن الدين يعد تجسيماً لأعلى الطموحات الإنسانية بإعتباره حصن الأخلاق ، الذي يعد المصدر الأساسي لأمن الأفراد لتحقيق السلام الداخلي لهم (عبد الباقي الهرماسي ، 1990 ، 16) .
وأظهرت الكثير من البحوث والدراسات أن الدين يؤدي دوراً إيجابياً في الوقاية من أعراض الاضطرابات النفسية لدى المراهقين ؛ نظراً لارتباط ارتفاع مستوى التدين بالكثير من الجوانب الإيجابية لدى الأفراد ، فيؤدي إلى صحة نفسية أفضل وقدرة أكبر على مجابهة الأمراض والتغلب على آثارها السلبية وسرعة الشفاء من الأعراض النفسية والقدرة على تحمل الضغوط الناتجة عن أحداث الحياة القاسية (Smith , 2003 , 259 – 267)، وعلى الجانب الآخر أشارت العديد من الدراسات كدراسة Bergin , etal , 1987 ، ودراسةetal , 1989 Watsong، ودراسة رشاد علي عبد العزيز موسى (1992) إلى وجود علاقة ارتباطيه موجبة بين التوجهات الدينية وتقدير الذات ، ووجود علاقة ارتباطية سلبية مع كل من القلق والاكتئاب ، وأن الأفراد الأكثر تديناً أقل قلقاً واكتئاباً وأكثر تأكيداً لذواتهم.
وإن من أبرز الوظائف التي يؤديها الدين للفرد والجماعة تحقيق الاستقرار النفسي ، فحينما يصاب الأفراد بالتمزق النفسي والصراعات الداخلية يحقق لهم الدين توازناً نفسياً عن طريق ما يسوقه من علاج نفسي ، وتوجيه إلهي ، لقول الله تعالى : " أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ " ( الزخرف ، 32) ، ففي حمى الدين تخف وطأة الحياة ، وتهون أمور الدنيا ، وتصبح هذه المظاهر أمراً ثانوياً وبعيداً عن المألوف ( إبراهيم محمد عطا ، 1988 ، 126 – 127 ) .
ويؤدي الشعور الديني إلى الإحساس بالسعادة والرضا والقناعة والإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره ، الذي يعين الفرد على مواجهة الضغوط ، ويمنح الثقة والقوة لمواجهة التحديات والأزمات التي تعترضه في مجرى حياته ، فيكون الملاذ وقت الشدة ، الذي يشعره بالأمان وعدم الخوف والتشاؤم ، لليقين بأن الله - U - يتدخل في الأحداث المهمة من أجل الأفضل دائماً ، الذي يتحقق للفرد من خلال : الدعاء ، والصلاة ، والشكر مما يوفر له أسمى صور الـدعم والطمأنينة (سعيده محمد محمد أبو سوسو ، 1986) ، (عادل محمد هريدي ، وطريف شوقي فرج ، 2002) .
ولذلك يذهب كل من Kipartrick 1994 ، وربيع عبد العليم 1997 إلى أنه مع هذا الدعم تتناقض مشاعر الخوف والقلق ، وخاصة قلق المستقبل، فيطمئن الفرد على مصيره المستقبلي ؛ الأمـر الذي يسهم في تحقيق السـواء النفسي ، لاعتباره بعداً أساسياً للشخصـية السوية .
إن للدين وظائف وآثاراً نفسية واجتماعية على الفرد والمجتمع ، حيث يزود الفرد بنسق من القيم والمبادئ والمعايير والمحكات الاجتماعية التي توفر له التكيف مع من حوله ، ويزوده برؤية عالم آخر غير محسوس فيه الخلاص ، تشعره بالاستقرار النفسي ؛ لأنه بمثابة الإطار المرجعي المعياري الذي يلجأ إليه الفرد في سعيه لكل ما قد يواجهه من مختلف صور الصراع (محمد أحمد بيومي ، 1991) ، (رشاد على عبد العزيز موسى ، 1997 ) .
وأجـمل عدلي على أبو طاحون (1999 ، 21- 23 ) الوظـائف النفسية والاجتماعية للدين فيما يلي :
1- توفير نظام من الضبط الاجتماعي من خلال المساهمة في تكوين ضمير الفرد والجماعة، حيث تقوم المبادئ الدينية ، وما يرتبط بها من قيم ومعتقدات مختلفة بتقوية الضبط الاجتماعي الداحلى ، وبهذا أسهمت في تكوين ضمير الإنسان وتقوية دواعي الخير لديه.
2- يساعد الدين على توفير الأمن الذي يعد مصدراً أساسياً للصحة النفسية ، واختفاء عوامل القلق النفسي لدى مختلف الأفراد في المجتمع ، حيث أن قيام الدين بمحاولة التنبؤ بأسرار ما بعد الحياة واتجاهه لتبشير المؤمنين خيراً ، وتوعد المسيئين شراً ، يعمل على حل الكثير من الاضطرابات النفسية ، وبالتالي تقوية عوامل الاستقرار في حياة الفرد .
3- القيام بوظيفة تثقيفية تعليمية من خلال القصص الديني عن حياة السابقين .
بينما يرى رشاد عبد العزيز موسى ( 1993 ، 556) أهمية الإرشاد النفسي الديني في أثر سيكولوجية الدين في علاج الاضطرابات النفسية باختلاف أنواعها ، الأمر الذي يدعم الاهتمام ببرامج الإرشاد النفسي الديني وفاعليتها في علاج الاضطرابات ، يعد بمثابة إضافة جديدة للتراث السيكولوجي .
ونجد في كلام الحق تبارك وتعالى أفضل توجيه وأصوب إرشاد ، وذلك لأنه عندما يخاطب النفس الإنسانية ، فإنما يخاطبها مخاطبة العليم بأسرارها الخبير بما يفسدها ويزكيها ، المطلع على مواطن القوة والضعف فيها ، مصداقاً لقول الله تعالى : " أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ " ( الملك ، 14) ، وفي سنة النبي - r - إيضاح للمنهج الإرشادي المتكامل في القرآن الكريم ، وتفصيل لما جاء مجملاً فيه ، كما أنه ما تركه لنا سلفنا الصالح من تراث له قيمته ، لم يخرج عن نطاق المصدرين الأساسيين لديننا الحنيف ، الكتاب والسنة ، وكان على ضوئهما (سعيد إسماعيل القاضي ، 1993، 448).
فالدين عنصر أساسي في حياة الإنسان حيث تشمل التربية السليمة التربية الدينية ، كما يتضمن النمو السوي النمو الديني ، وتشمل الصحة النفسية السعادة في الدنيا والآخرة ، ولذلك فالتربية الدينية المبكرة تعد وسيلة وقائية لصحة الإنسان النفسية فهي تساعده على تكوين نظام ثابت من القيم والمعايير الأخلاقية حيث تصبح ركيزة أساسية تقوم عليها أساليب تكيف الإنسان ، وبقدر ما يفيد سلوكه وتفكيره من هذا النظام بقدر ما يكون أقدر على التكيف النفسي ( حامد عبد السلام زهران ، 1995، 377) ، ( مصطفى فهمي ، 1976 ، 17) ؛ لأنه الملاذ من المشكلات الانفعالية والصدمات النفسية بما يحمله من أفكار وقيم قد تكون علاجاً لكثير من المشكلات التي يقع فيها الفرد ، والتي قد تؤثر في نفسيته تأثيراً كبيراً ، فكثير من الناس يكون التخفيف للكثير من آلامهم النفسية يكمن في تذكرهم المفاهيم الدينية مما يجعلهم يجدون في ذلك راحة نفسية وطمأنينة روحية ، ويخفف الدين القلق النفسي وله صلة كبيرة بالنمو العام عند المراهقين (رشاد على عبد العزيز موسى ، 1992 ، 113).
وبجانب ذلك نجد اختلافات كثيرة بين المدارس المختلفة للعلاج والإرشاد النفسي في نظرتهما إلى طبيعة الدوافع المحركة للسلوك ، وإلى طبيعة التهديدات المثيرة للقلق ، والمثيرة لنشوء أعراض الأمراض النفسية ، تجعل من الصعب الوصول إلى اتفاق عام بين هذه المدارس المختلفة حول نظرية متكاملة في الشخصية وتوافقها ، فكل مدرسة من هذه المدارس تنظر إلى الإنسان من زاوية معينة ومحددة ( محمد عبد الفتاح المهدي ، 1990 ، 38 -39).
فكل نظرية إرشادية ، وحتى الإرشاد النفسي التكاملي أهمل أهم مؤثر في النفس الذي يسبب الوحدة والتكامل للإنسان ، ألا وهو " الروح " ، وعلاقة الفرد بربة ( ناهد عبد العال الخراشي ، 1999 ، 58 ) ، (Qulsoom Inayat 2001 ).
ولقد بدأت تظهر منذ بداية الستينات حتى الآن المقدمات التي قام بها علماء النفس التي تنادي بأهمية الإفادة من التعاليم والقيم الـدينية في الإرشاد النفسي والصحة النفسية ، وترى أن الإيمان الحقيقي بالله قوة هائلة تمد الإنسان المتدين بطاقة روحية تعينه على تحمل مشاق الحياة وتجنبه القلـق الناتج عـن الاهتمام بالحياة المادية (محمـود إبراهيم عبد العزيز فـرج ، 1998 ، 6 – 7) ، ( رجـاء عبد الرحـمن الخـطيب،2002).
تمثلت تلك الاتجاهات في كتابات : عبد الوهاب حموده (1962) القرآن وعلم النفس ، ومحمد ماهر عمر (1983) ملامح علم نفس إسلامي ، وحسن محمد الشرقاوي (1984) نحو علم نفس إسلامي ، وسيد عبد الحميد مرسي (1985) سلسة دراسات نفسية إسٍلامية " الشخصية السوية" ، ومحمد عثمان نجاتي (1987) القرآن وعلم النفس ، والحديث النبوي وعلم النفس (2000) ، ومحمد عبد الفتاح مهدي (1990) نحو علم نفس إسلامي " العلاج النفسي في ضوء الإسلام " ، وسيكولوجية الدين والتدين (2002) ، ورشاد على عبد العزيز موسى (1993) علم النفس الديني ، أساليب العلاج النفسي في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية (2001) ، الإرشاد النفسي في حياتنا اليومية في ضوء الوحي الإلهي والهدي النبوي (2001) ، العلاج الديني (2001) ، محمد يوسف خليل (1994) ، تلاوة القرآن الكريم وأثرها على اطمئنان النفس ، ومحمد عوده ، كمال مرسي (1994 ) الصحة النفسية في ضوء علم النفس والإسلام ، وعبد العلى الجسماني (1996) علم النفس القرآني والتهذيب الوجداني ، ومصطفى محمود (1998) علم نفس قرآني جديد ، وعبد الرحمن محمد العيسوي (2001) سيكولوجية الإسلام والإنسان المعاصر ، ومحمد محروس الشناوي (2001) بحوث في التوجيه الإسلامي للإرشاد والعلاج النفسي ، ومحمد رمضان محمد (2006) ، الإعجاز العلمي للقرآن الكريم في علم النفس والتحليل النفسي.
وأشارت العديد من الدراسات إلى أهمية استخدام المفاهيم الدينية في الإرشاد والعلاج النفسي وتحقيق الصحة النفسية ، ومنها : دراسة سيد صبحي 1980 ، وحامد عبد السلام زهران 1985 ، ومصطفى الشرقاوي 1985 ، وإسعاد عبد العظيم البنا 1990 ، وStark , 1990 ، وPark et al , 1990 ، وزينب محمود شقير 1991، وSung mook & Christelle 1993 ، و Azhar et al , 1994 ، وعبد الرقيب البحيري وأخرون 1994 ، و Azhar , etal , 1995 ، و محمد عبد التواب معوض 1996 ، ومحمود إبراهيم عبد العزيز فرج 1998 ، وعبد الباسط خضر 2000 ، و Berry , 2002 ، و محمد محروس الشناوي 2001، ومحمد عمار 2001، و Qulsoom Inayat 2001، وSalleh Mobd , et al , 2002 ، وناصر بن إبراهيم المحارب 2003، وإيمان حسني محمد العيوطي 2004 ، وهناء يحي أبو شهبه 2004 ، وهناء أبو شهبه 2006.
القسم الثاني : أهمية الإرشاد النفسي الديني كإرشاد ديني
يحتل التدين مكانة بارزة بين حاجات الأفراد ، بوصفه دافعاً فطرياً لدى الفرد للتوحيد وعبادة الله ، وطلب العون منه سبحانه ، وقد أعتبرهAllport حاجة نفسية موروثة ، فمعظم الناس عبر تاريخ البشرية يمارسون شكلاً ما من أشكال التدين ، يمثل لهم محدداً لهويتهم (محمود حمدي زقزوق ، 2001 ، 18) ، (عادل محمد هريدي ، وطريف شوقي ، 2002 ، 49).
وقد أقر الدين الإسلامي بفطرية التدين لدى الأفراد ، ففي القرآن الكريم ، نجد قول الله تعالى : " وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ " ( الأعراف ، 172) ، وقول الله تعالى : " فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ " ( الروم ، 30 ) ، وفي السنة النبوية ، نجد قول النبي - r- : " ما من مولود إلا يولد على الفطرة " (رواه مسلم ، وأحمد ).
ولذا يشير محمد عودة ، وكمال مرسي (1994، 104 -105) إلى أن الحاجة للتدين استعداد فطري عند الإنسان ، وهي حاجة ملحة نامية ، يتعلم الفرد كيف يشبعها من خلال عمليات التنشئة الاجتماعية في البيت والمدرسة ، وأن التدين الحقيقي الجوهري أفضل من التدين الظاهري في إشباع الحاجة إلى التدين ، وينادي علماء علم النفس والطب النفسي والصحة النفسية بضرورة تنمية الحاجة إلى الدين وإشباعها للوقاية من الاضطرابات النفسية .
وتعتمد الصحة النفسية أساساً على الالتزام بفطرة الله تعالى التي فطر الناس عليها ، وهي عقيدة التوحيد ، وعبادة الله تعالى ، واتباع المنهج الذي وضعه للإنسان في الحياة ، والذي بينته لنا السنة النبوية ، وما دام قلب الإنسان على الفطرة السليمة المكملة بالشريعة المنزلة ، يكون الإنسان سوياً متمتعاً بالصحة النفسية ، ولكن إذا ما تأثر الإنسان بمؤثرات غير ملائمة من البيئة يكون من شأنها تحول القلب عن فطرته السليمة المستقيمة ، وأصيب الإنسان ، أي بالمرض النفسي ( محمد عثمان نجاني ، 2000 ، 309) .
لقد كان إشباع دافع التدين على مر العصور سبيلاً لتخفيف التوتر الذي لدى الفرد ، خاصة عندما تتهدد حياته أو تغلق أبواب الحلول لمشكلاته ، فيدعوا ربه ، وتتجه فطرته إلى مالكها بأي سبيل من السبل ، لقول المولى - U - : " قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ " ( الأنعام ، 63) ( حمدي الفرماوي، 2001، 129) .
ويشير فيصل محمد خير الزراد (2002، 235) إلى أن معظم علماء النفس المحدثين يرون أن الإرشاد النفسي الديني يعمل على إصلاح السلوك لما له من تأثير قوي في النفس وفي السلوك، فالقرآن الكريم حافل بالآيات الكريمة التي تعتبر منهجاً للهداية والشفاء والاستقامة بالسلوك ، لقول الله تعالى : " نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى " (الكهف ، 13) ، " وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً " (الإسراء ،82) ، " يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ " ( يونس، 57 ) ، " وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ" (الشعراء، 80).
وتشير إيمان حسني محمد العيوطي (2004 ، 10 -11) إلى أن أهمية الإرشاد النفسي الديني كإرشاد ديني تظهر في أنه يتناول معطيات دينية ذات أساس سماوي وليس وصفي ، تمس الجوانب الروحية والأخلاقية في الإنسان مما يجعل له طبيعة خاصة ، أدت إلى ظهور اهتمام واضح به في كثير من الدول ، وخاصة العربية ، بحيث ألزمت خريجي معاهدها وكلياتها الدينية بالاهتمام بمراكز الخدمة الاجتماعية والعلاج النفسي .
وتبرز الحاجة إلى الإرشاد النفسي الديني لكون المجتمعات تشهد حالة من تزايد الوعي بالهوية الثقافية ، من خلال البحث عن معالم قومية لعلم النفس بصفة عامة ، والإرشاد النفسي بصفة خاصة ، استناداً لما أشارت إليه العديد من الدراسات والأبحاث إلى عدم ملاءمة أساليب الإرشاد الأخرى للمجتمعات الإسلامية .
ولذلك فإن نقل الإرشاد كما هو معروف من المجتمعات الغربية إلى المجتمعات الإسلامية، ليس مناسباً ، لأنه ليس النموذج الأمثل للتطبيق في هذه المجتمعات ، لاعتبارات كثيرة من أهمها ما يلي :
أ- يعد نقل الإرشاد من مجتمع إلى مجتمعات أخرى تختلف عنها في عقيدتها ومناهج الحياة فيها من الأخطاء المنهجية ما ينبغي إعادة النظر فيها ، لأن الإرشاد لا يمارس في معزل عن قيم وعادات وفلسفة الحياة والمجتمع الذي يطبق فيه.
ب- بالرغم من نمو الإرشاد في المجتمع الغربي في العقدين الماضيين ، إلا أن الاضطرابات النفسية أخذت في التزايد ، مما يدل على عدم قدرته على تحقيق أهدافه في تلك المجتمعات (كمال إبراهيم مرسي ، وبشير الرشيدي ، 1988 ، 10 -11) .
ج- وجود فروق جوهرية بين الثقافة الغربية التي نشأ فيها النموذج الإرشادي والثقافة العربية الإسلامية التي ينتقل إليها ، وتتلخص هذه الفروق في : فلسفة الحياة ونظامها ، طبيعة الإنسان وأهدافه وغاياته في الحياة ، والأخذ بالأسباب والتوكل على الله (كمال إبراهيم مرسي، 1999، 105).
د- اختلاف قيم المجتمع العربي الإسلامي عن قيم المجتمع الغربي في العقيدة ، ومنهج الحياة الذي ترتب على اختلاف ثقافتهما ، الأمر الذي يؤدي بطبيعة الحال إلى اختلاف طبيعة الإرشاد والحاجة إليه وأهدافه في مجتمعنا العربي عن المجتمع الغربي (راشد القصبي ، 1995 ، 39) .
هـ- الإرشاد والعلاج النفسي الفعال هو الذي يرتبط بثقافة المجتمعات ويتفق مع معتقداتها وقيمها، ويساند نظرة الإنسان فيها إلى الحياة ، وعلى المرشد أو المعالج النفسي أن يكون واعياً بخصوصيات ثقافة المسترشد حتى يرشده ويعالجه في إطارها ( باترسون ، 1990) .
و- إن الكثير من علماء النفس في البيئة الإسلامية أدركوا أهمية التأصيل الإسلامي للإرشاد النفسي فأخذوا ينقبون في القرآن الكريم والسنة الشريفة واجتهادات علماء المسلمين ، مما يسهم في بناء علم نفس إرشادي مرتبط بالثقافة الإسلامية