بقلم : أ.د. محمد أبو الفتوح حامد خليل
مع الاعتراف بأهمية وخطورة دور التقويم في العملية التعليمية (المجلس القومي للتعليم والبحث العلمي والتكنولوجيا، 2002،1) إلا أن ما يتبع في مدارسنا العربية من أساليب للتقويم يقف حجر عثرة أمام كل محاولات الإصلاح، ويهدر أي جهد للتطوير، فقد اقتصر التقويم في مدارسنا في العالم العربي على إجراء الاختبارات التي تقيس التحصيل، وأصبح الاختبار هو الوسيلة الوحيدة للحكم على مستوى التلاميذ واختصرت جميع نواتج التعلم في جانب واحد فقط هو تحصيل المعلومات المقررة في الكتب المدرسية، الأمر الذي جعل الاختبار هدفًا في ذاته، وأصبحت جميع الممارسات التربوية تتجه نحو تمكين التلاميذ من اجتياز الاختبار بنجاح، مما يعد شكلًا من أشكال الهدر التربوي الذي يفقد المنتج التعليمي قيمته وقدرته على المنافسة في المجتمع المعاصر بكل ما يحمله من تحديات.
كما أن الاقتصار على الاختبارات بشكلها الحالي قد يؤدي إلى أن:
- تفقد عملية التقويم وظيفتها الأساسية وهي: متابعة سير العملية التعليمية بحيث يمكن تصحيح الأخطاء ومعالجة نواحي الضعف وتدعيم نواحي القوة سواء أكان ذلك عند التلاميذ أم في طرائق التعليم والتعلم أم في المنهج الدراسي، وتصبح بمنزلة ثواب وعقاب، وهو ما يتعارض مع المبادئ التربوية الأساسية في التقويم التربوي حيث لا يعطي الفرصة لإعادة النظر والعلاج.
- تهمل كثيرًا من الأهداف التربوية مثل: المهارات العملية والعقلية، والاتجاهات، والميول، والقيم حيث إنها تقتصر على قياس الجانب المعرفي فقط في أدنى مستوياته، وهو الحفظ ولا ترتقي لمراتب التطبيق والتحليل والتركيب والتكوين الكلي للموقف، وتتطلب في موقف ممتلئ بالرهبة والخوف استدعاء لأجزاء قليلة من المعرفة ولا تتطلب من التلميذ ترتيب أفكاره ولا بيان الترابط بينها ولا إيضاح العلاقات بينها، وحتى إذا تناولت هذه النواحي فإن نظام التصحيح المتبع حاليًا لا يعطي لهذه المستويات العليا أي وزن عند تقدير الدرجة بل تعطي الدرجة على فئات المعرفة، وما إذا كان التلميذ قد ذكر هذه النقطة أو أغفلها بغض النظر عن تسلسل الأفكار أو ترابطها أو ترتيبها، وهذا العيب يجعل التلاميذ يحفظون بعض المعلومات المتناثرة التي سرعان ما تنسى بعد الانتهاء من الامتحان، ولا يربي فيهم المسؤولية على اتخاذ القرارات، ولا يشجعهم على الابتكار والتفكير في حلول غير تقليدية لما يواجهونه من مواقف في مستقبل حياتهم.
- تقتصر على منتصف أو نهاية العام، هذا على الرغم من أن التقويم الجيد يقتضي أن يكون التقويم عملية مستمرة تبدأ ببداية المقرر وتسير معه جنبًا إلى جنب، حتى يتعرف المعلم والتلميذ ما استطاع إنجازه وما لم يستطع، وتحليل الأسباب المحتملة لذلك وصولًا إلى تحقيق الأهداف المرجوة.
- تؤكد على مقارنة التلميذ بغيره، هذا على الرغم مما ينادي به علماء النفس المقارن من ضرورة مقارنة التلميذ بنفسه من وقت لآخر لمعرفة مدى تقدمه أو تخلفه وفي أي الجوانب وأسباب ذلك والعمل على تلافي العيوب وإعطاء التلميذ الفرصة للتعلم بالسرعة التي تناسب قدراته.
- تجعل العملية التعليمية كلها موجهة لخدمة الامتحانات، وهو ما يترتب عليه انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية التي تفشت كالوباء في المجتمع، وأيضًا انتشار الكتب والملخصات الخارجية، لأنهما يركزان على تدريب التلميذ على كيفية الإجابة عن أسئلة الامتحانات، وليس الاهتمام بتنمية جوانب النمو المتنوعة.
- تجعل التلاميذ والمعلمين يهملون الأنشطة التربوية مع مالها من أهمية كبرى في تنمية شخصية التلميذ.
- تزيد من انتشار ظاهرة الغش في الامتحان، وذلك لكي يحصل التلميذ على درجات أكثر، وهذه الظاهرة لها آثارها الخطيرة على تدهور القيم في المجتمع.
- تمثل عبئًا ثقيلًا على التلاميذ، وبخاصة في مراحل التعليم الأولى كما تزيد معدل القلق عند التلميذ وأولياء الأمور، وما ينتج عنه من أمراض نفسية وعضوية خطيرة.
- كما أن الاختبارات (رجاء أبوعلام، 2001، 95) مهما كان نوعها لا تستطيع أن تعطي المتعلم التغذية الراجعة ونماذج الأداء التي تعتبر في مكان مركزي من التعلم الحقيقي، كما أنها لا تستطيع مساعدة المعلم في تحسين أدائه، لأن كل اختبار رئيسي ليس إلا مجهودًا منعزلًا تحيط به السرية عند وضع الأسئلة وعند تقويمها وعند تقدير درجاتها.
- هذا على الرغم من وجوب أن تكون هذه الإجراءات معروفة للتلميذ حتى تكون مرشدًا له لتصحيح مساره أثناء الدراسة
- فنظرية التقويم التقليدية لا يمكن أن تقدم ما نحتاجه في مدارسنا: طريقة لمساعدة التلاميذ على تصحيح أدائهم تصحيحًا ذاتيًا هذا بالإضافة إلى أن الاختبارات المقننة أيضًا لها الكثير من العيوب ومنها (Hart, 1994):
- تقيس هذه الاختبارات بشكل جيد، وخبرة التلميذ في مدى التدريب على كيفية حلها فهي بذلك لا تقيس ما أعدت لقياسه، وهو تزويد المعلم بما يجب أن يعرفه عن تحصيل التلميذ، وهذا ما تؤكده نتائج البحوث التي تشير إلى ضعف الارتباط بين ما يحصل عليه التلميذ من درجات على الاختبارات المقننة والكفاءة في العمل بعد التخرج.
- تعتمد هذه الاختبارات عند إعدادها على صدق المحكمين، وهنا يثار الشك حول صحة القرارات التي يتخذها حول صدق بناء الأسئلة، وبالتالي فهي ليست دقيقة وصحيحة دائمًا.
ــ تساعد هذه الاختبارات على فساد العملية التعلمية من خلال:
· تعطي قيمة لحفظ المعلومات دون فهمها.
· تؤكد على جمود الفكر من حيث إنها تعطي انطباعًا عن أنه توجد إجابة صحيحة واحدة لكل سؤال أو مشكلة.
· يركز المعلمون على المفاهيم التي دائمًا ما يأتي منها الامتحان دون غيرها من الموضوعات الضرورية التي يجب أن يتعلمها التلاميذ.
· تقلل من أهمية المهارات والاتجاهات وعمليات التفكير التي يجب أن يتعلمها التلاميذ.
· تعتمد على (صلاح علام، 1995، 18) مقارنة أداء التلميذ بأداء زملائه وفقًا للمجموع الكلي لدرجاتهم في الاختبارات. ومن الملاحظ أن الدرجات تخضع لخصائص عينة التلاميذ التي تستخدم في اشتقاق معايير الاختبار، كما تخضع لخصائص عينة الأسئلة التي يشتمل عليها الاختبار، واختلاف هذه الخصائص باختلاف عينة التلاميذ المختبرين وعينة الأسئلة يؤثر بلا شك في صدق إجراء هذه المقارنات.
· تصلح هذه الاختبارات (حلمي الوكيل، محمد المفتي، 1999، 222) لبعض الجوانب والمجالات ولكن ليس لكل المجالات فهي تعطي نتائج ممتازة عند قياس بعض المهارات اللغوية مثل مهارتي القراءة والكتابة، أو عند قياس القدرة الرياضية، وهناك مجالات أخرى لا يمكن عند قياسها الاعتماد على الاختبارات المقننة.
· وتشمل (صلاح علام، 2002، 341 - 342) عادة على مفردات اختيار من متعدد فقط حيث يصعب استخدامها في قياس المهارات العقلية العليا التي ينبغي العناية بتنميتها لدى التلاميذ مثل: تنظيم وعرض الأفكار، ونقد الموضوعات، وتحليل وتركيب المعلومات وأيضًا عيوب الأسئلة التي تتطلب إجابات مفتوحة مثل أسئلة المقال التي تعتمد على التقديرات الذاتية التي تقيس هذه المهارات، حيث إنها لا تمثل المحتوى المراد قياسه تمثيلًا كافيًا بسبب الزمن الذي تتطلبه الإجابة وصعوبة تصحيحها، وعدم اتساق درجاتها مما يجعلها لا تناسب البرامج الاختبارية التي تطبق على نطاق واسع.
· تبنى هذه الاختبارات على فلسفة تربوية تؤكد إبراز الفروق الفردية بين التلاميذ بينما الهدف هو إكساب كل تلميذ الأهداف المرجوة من العملية التعليمية.
· وعلى ذلك فإن اختبارات التقويم الحالية لا تتناول في الأغلب غير مستوى استدعاء المعرفة Recall مع افتقارها للنظرة الشمولية، وتستغرق الامتحانات وقتًا طويلًا وجهدًا كبيرًا، واقتصار التقويم على منتصف أو نهاية العام، وكذلك اعتماد التقويم على مقارنة التلميذ بغيره من التلاميذ، والاقتصار على تقويم المعلم للتلميذ لذلك فإن التغيير مطلوب، لأن إصلاح التقويم هو المدخل لإصلاح التعليم.
كل ذلك من العيوب انعكس آثاره على مخرجات التعليم (محمد على نصر، 2001، 13) ولعل من أهمها:
يحفظ أكثر ما يفهم، لا يستخدم التفكير العلمي، يتزود بثقافة الذاكرة أكثر من ثقافة الفهم والتطبيق والتحليل...، لا يتم توجيه سلوكه بالصورة المناسبة لقصور قيام المعلم بالتوجيه، يهدف إلى الحصول على شهادة أكثر من استهدافه الإعداد لمواقف الحياة وكيفية مواجهتها، لا يحتفظ بالمعلومات والمهارات لمدة أطول.