إستراتيجية شكل البيت الدائري: فاعليتها في تنمية مهارات
ما وراء المعرفة وتحصيل العلوم لدى طالبات المرحلة الثانوية ذوات السعات
العقلية المختلفة
للدكتورة/ هيا المزروع كلية التربية للبنات / الرياض
ملخص البحث
هدف هذا البحث إلى تقديم إستراتيجية شكل البيت الدائري وإبراز الأسس التي بنيت عليها ومن ثم تعرف فاعليتها في تنمية مهارات ما وراء المعرفة والتحصيل الدراسي لدى طالبات المرحلة الثانوية. كذلك هدف البحث إلى تعرف تأثير التفاعل بين إستراتيجية شكل البيت الدائري والسعة العقلية على تنمية مهارات ما وراء المعرفة والتحصيل الدراسي لدى طالبات المرحلة الثانوية. و اعتمد هذا البحث المنهج التجريبي واستخدم أحد التصميمات شبه التجريبية والمعروف بتصميم القياس القبلي والبعدي للمجموعة الضابطة غير المتكافئة. وتمثل المتغيرات المستقلة كلا من طريقة التدريس (إستراتيجية شكل البيت الدائري مقابل الطريقة المعتادة ) والسعة العقلية (مرتفعة مقابل منخفضة). وتمثل مهارات ما وراء المعرفة والتحصيل الدراسي المتغيرين التابعين. أما عينة البحث فتتألف من فصلين من فصول الصف الثاني الثانوي بإحدى المدارس الثانوية ليمثل فصلاً للمجموعة التجريبية والفصل الآخر المجموعة الضابطة.
تكونت أدوات البحث من مقياس الوعي بمهارات ما وراء المعرفة واختبار تحصيلي وهما من إعداد الباحثة وكذلك اختبار الأشكال المتقاطعة المترجم لجان بسكاليوني . وتتم معالجة البيانات باستخدام الرزمة الإحصائية بحساب تحليل التباين الأحادي ثنائي الاتجاه . وأظهرت نتائج البحث فاعلية إستراتيجية شكل البيت الدائري في تنمية مهارات ما وراء المعرفة والتحصيل الدراسي لدى الطالبات. كما أظهرت النتائج عدم وجود تأثير للتفاعل بين إستراتيجية شكل البيت الدائري والسعة العقلية على تنمية مهارات ما وراء المعرفة و التحصيل الدراسي لدى الطالبات.
وفي ضوء نتائج هذا البحث توصي الباحثة بتسليط الضوء على ما وراء المعرفة في تدرس العلوم بشكل خاص وبالتدريس بشكل عام. كما توصي بتدريب المعلمين والمعلمات على كيفية استخدام إستراتيجية شكل البيت الدائري وتطبيق هذه الإستراتيجية في الأنشطة والتجارب المعملية بحيث نضمن تعلم العقول والأيدي. . كذلك أوصت بضرورة الابتعاد عن التعلم الصم من خلال التنوع في إستراتيجيات وطرائق تدريس العلوم لتحقيق التعلم ذي المعنى. كما خلص البحث إلى ضرورة الاهتمام باستعدادات وقدرات التلاميذ و توجيه المعلمين لاستخدام الاختبارات والمقاييس الخاصة بذلك .
مقدمة:
أدت الزيادة السريعة في الاهتمام بنظريات التعلم المعرفية إلى زيادة الاهتمام بما وراء المعرفة . فقد ظهر مصطلح ما وراء المعرفة (Metacognition) في السبعينيات في بحوث فلافلFlavel الذي اهتم بكيفية قيام المتعلم بفهم نفسه كمتعلم أي قدرته على التخطيط والمتابعة والتقويم لتعلمه . وقد عرف فلافل وزملاؤه مفهوم ما وراء المعرفة بأنه "معرفة الفرد بعملياته المعرفية ونواتجها وما يتصل بتلك المعرفة" (Flavell, 1976). إن ما وراء المعرفة تعني مستويات تفكير عليا تشمل التحكم النشط بالعمليات الإدراكية المتعلقة بالتعلم مثل أنشطة التخطيط لكيفية التعلم و مراجعة و تقويم مدى تقدمنا لإنهاء المهمة أي أنها التفكير في التفكير. ويوضح كوستا هذا المفهوم بقوله "إذا انتبهت إلى أنك في حالة حوار مع عقلك, وأنك تراجع قرارك الذي اتخذته وعمليات حل المشكلة فإنك تمارس ما وراء المعرفة". Costa, 1991:211))
ويرى الباحثون أن ما وراء المعرفة تساعد المتعلم على القيام بدور فعال في جمع المعلومات وتنظيمها وتقييمها أثناء عملية التعلم (صفاء الأعسر, 1998). فتعلم الطلاب يتحسن عندما يكونون واعين بتفكيرهم أثناء قراءتهم وكتابتهم و حلهم للمشكلات أي أنها تساعدهم على أداء أفضل فقد أثبتت الدراسات وجود فروق في قدرات ما وراء المعرفة بين المتعلمين الناجحين وغير الناجحين فالتلاميذ ذوو الدرجات العالية يميلون إلى أن يمتلكوا مهارات ما وراء المعرفة أكثر من زملائهم غير الناجحين (Everson, 1997).
لذلك اقترح فلافل(1987) أن تكون المدارس مكانا لتنمية ما وراء المعرفة لما لها من دور في التعلم الذاتي الواعي. وشجعت رابطة معلمي العلوم الوطنية في الولايات المتحدة NSTA National Science Teachers Association (1998) على استخدام ما وراء المعرفة في تعليم العلوم لمساعدة الطلاب ليكونوا مسئولين عن تعلمهم من خلال تحديدهم لأهداف التعلم ومراقبة مدى تقدمهم لتحقيق تلك الأهداف. كذلك أكد فتحي جروان (2002) على الدور الذي تلعبه ما وراء المعرفة في التعلم من حيث أهميتها في معالجة المعلومات، وبالتالي لا يجوز إهمالها أو الافتراض بأن المتعلم يمكن أن يجيدها بصورة غير مباشرة عن طريق دراسة محتوى مادة التدريس. كما أكد على أن أي جهد لتعليم مهارات التفكير يظل ناقصاً ما لم يتصدَّ لمهمة مساعدة الطلبة على تنمية مهارات ما وراء المعرفة. وهناك دراسات اهتمت بالتدريب على مهارات ما وراء المعرفة بشكل مستقل عن تدريس محتوى المواد فيما يعرف ببرامج مهارات الدراسة مثل برامج تنظيم الوقت وتدوين الملاحظات وغيرها. ولكن البعض يرى أن تلك النتائج مشكوك بها و يقترح أن تنمى مهارات ما وراء المعرفة من خلال ربطها بالمحتوى التدريسي أو ما يعرف بالتعلم القائم على ما وراء المعرفة (situated learning) .(Georghides,2004 ,Gunstone and Northfield,1994).
وقد جاءت الأشكال المنظمة Graphic organizers كأحد أدوات التعلم الناجحة التي تساعد المتعلم على تنظيم واستخلاص وإظهار المعلومات (Troubredge and Wandersee, 1998, P.98) حيث يستخدمها المتعلم لتظهر الارتباطات الجديدة التي تربط بالمعلومات السابقة وهي وسيلة للتعبير عن العلاقات بين الحقائق والأفكار الأساسية لكي تفهم بشكل واضح. وكما وضحت صفاء الأعسر (1998) فإنها وسيلة بصرية تساعد المعلم والتلميذ على القيام بنشاط إيجابي في استكشاف علاقات جديدة وفهم العلاقات القائمة في المادة، والتحكم في العمليات التي يقومون بها. ومن هذه الأشكال شكل البيت الدائري Roundhouse Diagram الذي طوره وندرسي Wandersee كأداة لما وراء العمليات المعرفية لتساعد المتعلم على فهم المعرفة لديه، لذا توقعت الباحثة أن يكون لهذه الإستراتيجية دور في تنمية مهارات ما وراء المعرفة.
ومن جانب آخر تولي نظريات التعلم المعرفي أهمية لكيفية تشغيل ومعالجة الفرد للمعلومات وكيفية اكتساب الفرد للمعرفة ذاتها. وتعتبر السعة العقلية المكون الرابع من مكونات الذاكرة التي تلعب دوراً أساسياً في تجهيز ومعالجة المعلومات. فالمعلومات تنتقل خلال أجهزة الحس (الذاكرة الحسية) إلى الذاكرة قصيرة المدى، فإن كان هناك تجهيز ومعالجة عميقة للمعلومات نقلت إلى الذاكرة طويلة المدى وإذا لم تعالج هذه المعلومات فإنها تفقد. والسعة العقلية أحد العوامل الأساسية في معالجة المعلومات فهي تمثل أقصى عدد من الوحدات المعرفية أو المخططات العقلية التي يستطيع الفرد التعامل معها أو تناولها في وقت واحد أثناء معالجة المعلومات. أي أن الزيادة في كمية المعلومات ستؤدي إلى تحميل السعة العقلية فوق طاقتها وبالتالي انخفاض الأداء . ويمكن زيادة كفاءة السعة العقلية عن طريق تنظيم وتجميع المعلومات في صورة وحدات ذات معنى بحيث لا تشكل حملاً زائداً عليها وبالتالي تسهل عملية التعلم. وهنا يأتي دور إستراتيجيات التدريس والتعلم التي تساعد في تنظيم المعلومات مما دفع الباحثة إلى تجريب إستراتيجية شكل البيت الدائري كطريقة لتقليل كم المعلومات المقدمة للفرد من خلال تنظيمها للمعلومات في صورة وحدات ذات معنى بحيث تشغل حيزا أقل في ذاكرة المتعلم وتترك مساحة أكبر لإتمام عملية تشغيل ومعالجة المعلومات مما يعني أداء أفضل . و بناء عليه توقعت الباحثة أن استخدام شكل البيت الدائري كمعالجة تدريسية قد يسهم في تشغيل المعلومات وخزنها واسترجاعها والاستفادة منها بحيث لا تكون حملاً زائداً على سعة تشغيل المعلومات مما يؤدي إلى الارتفاع بمستوى الأداء وتحقيق التعلم ذي المعنى وزيادة التحصيل.
الحاجة للبحث
يمكن تناول الحاجة للبحث في أربعة محاور :
أولاً: بالنسبة لتنمية التفكير فإن البحث في التربية العلمية بدأ يلتفت إلى جانب التعلم فمقدرة المتعلم على الوعي والتحكم وضبط العمليات المعرفية فيما يعرف بالتفكير ما وراء المعرفي يعتبر أحد النواتج الأساسية للتعلم التي يمكن تنميتها من خلال خبرات تعليمية مناسبة كما أوضح مشروع بيل PEEL في استراليا (Gunstone and Mictchell, 1998). حيث يشير قنستون Gunstone (1994) أن جميع المتعلمين يمتلكون مهارات ما وراء المعرفة ولكن بدرجات متفاوتة لذا فإن تنميتها تعتبر هدفاً بحد ذاتها إلى جانب كونها مهمة في التحصيل. أي أن هناك حاجة لتطبيق إستراتيجيات تساعد المتعلمين أن يستخدموا التفكير ما وراء المعرفي بحيث يكونون واعين بأفكارهم وهذا ما يبرر المناداة لإدخال ما وراء المعرفة في المناهج (Georgides,2004)) ومزج المقررات الدراسية بإستراتيجيات تعليمية تصمم خصيصاً لتنمية قدرات الوعي بالتفكير (صفاء الأعسر، 1998: ص 66). خاصة مع ندرة في الدراسات التي تهدف إلى تنمية مهارات ما وراء المعرفة.
ثانيا: بالنسبة للبحث في التربية العلمية فما زال البحث في ما وراء المعرفة في مراحله الأولى فهناك توجه في بحوث التربية العلمية نحو التعلم القائم على ما وراء المعرفة حيث يرى Georgides,2004)) الحاجة ماسة لبحث دور ما وراء المعرفة في تعلم العلوم و تحقيق أهدافه . أيضا هناك فجوة بين النظرية والتطبيق فما وراء المعرفة غير معروفة لدى معلمي العلوم ولا تتوافر الوسائل والمصادر لتطبيقها في التدريس. ويتفق في ذلك (Rickey and Stacy (2000) الذي يرى أن تنمية التفكير ما وراء المعرفي في تدريس الكيمياء وعلاقة ذلك بنواتج التعلم من القضايا التي تحتاج إلى تسليط الضوء عليها.
ثالثا: بالنسبة لتدريس العلوم حيث تركز الممارسات التدريسية وكتب العلوم على تعلم الحقائق وتقييم تذكرها أكثر من تركيزها على الفهم العميق وإدراك العلاقات (Mintzes and Wordersee, 1998) ويشير واقع تدريس العلوم في مدارسنا إلى التركيز على المعرفة كغاية في حد ذاتها وعلى تدريس المعلومات بدون الاهتمام بتنمية التفكير لدى التلاميذ (أحمد النجدي ومنى عبد الهادي وعلي راشد، 1999)، بينما تركز الاتجاهات الحديثة في التربية العلمية على العلاقات والترابط بين الصفوف والمواد فالمادة يجب أن تؤكد على الفهم العميق للأفكار الرئيسية ذات المعنى وكذلك العلاقات مع الفكرة الرئيسية (NSTA, 1998- 1999) . كما يرى نوفاك وجوين Novak and Gwin (1984) أن التلاميذ يحتاجون إلى المساعدة في تعلم كيف يبنون المعرفة من خبراتهم في الفصول . لذلك فهناك حاجة إلى تجريب الإستراتيجيات التي تساعد على فهم التعلم لذا توقعت الباحثة أن يكون لإستراتيجية شكل البيت الدائري أثر إيجابي في مساعدة الطالبات على فهم التعلم وبالتالي رفع مستوى التحصيل لديهن.
رابعاً: بالنسبة لتعلم العلوم حيث لاحظت الباحثة أثناء إشرافها على التربية الميدانية الصعوبات التي تواجهها الطالبات في العلوم من حيث كثرة المصطلحات وتشابهها وعدم إدراك العلاقات وعدم القدرة على الاحتفاظ بالمعلومات لمدة طويلة وهذا ما أكدته دراسة استطلاعية للكشف عن مستوى احتفاظ الطالبات للمفاهيم الأساسية بوحدة الخلية ونشاطاتها وذلك بإجراء اختبار تحصيلي لتلك المفاهيم. وبالرغم من تناول المناهج للمفاهيم بالصفوف السابقة إلا أن درجة كسبهن لتلك المفاهيم كانت غير مرضية. ولما كانت إستراتيجية شكل البيت الدائري مبنية بشكل رئيسي على فكرة تنظيم المعلومات في البنية المعرفية للمتعلم من أجل فهم المفاهيم العلمية وإدراك العلاقات بينها لذا افترضت الباحثة أن إستراتيجية شكل البيت الدائري قد تساعد في جعل التعلم تعلماً ذا معنى.
خامسا : ندرة الدراسات التي تناولت إستراتيجية شكل البيت الدائري فلا يوجد حسب علم الباحثة إلا دراسة (Hackney and Ward,2002) ودراسة Ward and Wandersee (2004) لدراسة أثر إستراتيجية شكل البيت الدائري في التعلم ذي المعنى إلا أنهما لم يتناولا فاعليتها في تنمية مهارات ما وراء المعرفة، لذا تنبعث فكرة البحث الحالية باختبار فاعليتها في تنمية مهارات التفكير ما وراء المعرفي.
سادسا ً: بالنسبة للفروق الفردية حيث يهتم المتخصصون في المناهج والتدريس بالفروق الفردية بين التلاميذ في كيفية التعامل مع المعلومات والاحتفاظ بها وتنظيمها. وتعتبر السعة العقلية للفرد من العوامل المؤثرة على التعلم حيث تلعب دوراً أساسياً في تجهيز ومعالجة المعلومات. لذا تتضح الحاجة لمعرفة مدى تحقيق التعلم باستخدام هذه الإستراتيجية مع التلاميذ ذوي السعات العقلية المختلفة خاصة في ظل طرق التدريس التقليدية التي لا تعير اهتماما للفروق الفردية بين التلاميذ.
ما وراء المعرفة وتحصيل العلوم لدى طالبات المرحلة الثانوية ذوات السعات
العقلية المختلفة
للدكتورة/ هيا المزروع كلية التربية للبنات / الرياض
ملخص البحث
هدف هذا البحث إلى تقديم إستراتيجية شكل البيت الدائري وإبراز الأسس التي بنيت عليها ومن ثم تعرف فاعليتها في تنمية مهارات ما وراء المعرفة والتحصيل الدراسي لدى طالبات المرحلة الثانوية. كذلك هدف البحث إلى تعرف تأثير التفاعل بين إستراتيجية شكل البيت الدائري والسعة العقلية على تنمية مهارات ما وراء المعرفة والتحصيل الدراسي لدى طالبات المرحلة الثانوية. و اعتمد هذا البحث المنهج التجريبي واستخدم أحد التصميمات شبه التجريبية والمعروف بتصميم القياس القبلي والبعدي للمجموعة الضابطة غير المتكافئة. وتمثل المتغيرات المستقلة كلا من طريقة التدريس (إستراتيجية شكل البيت الدائري مقابل الطريقة المعتادة ) والسعة العقلية (مرتفعة مقابل منخفضة). وتمثل مهارات ما وراء المعرفة والتحصيل الدراسي المتغيرين التابعين. أما عينة البحث فتتألف من فصلين من فصول الصف الثاني الثانوي بإحدى المدارس الثانوية ليمثل فصلاً للمجموعة التجريبية والفصل الآخر المجموعة الضابطة.
تكونت أدوات البحث من مقياس الوعي بمهارات ما وراء المعرفة واختبار تحصيلي وهما من إعداد الباحثة وكذلك اختبار الأشكال المتقاطعة المترجم لجان بسكاليوني . وتتم معالجة البيانات باستخدام الرزمة الإحصائية بحساب تحليل التباين الأحادي ثنائي الاتجاه . وأظهرت نتائج البحث فاعلية إستراتيجية شكل البيت الدائري في تنمية مهارات ما وراء المعرفة والتحصيل الدراسي لدى الطالبات. كما أظهرت النتائج عدم وجود تأثير للتفاعل بين إستراتيجية شكل البيت الدائري والسعة العقلية على تنمية مهارات ما وراء المعرفة و التحصيل الدراسي لدى الطالبات.
وفي ضوء نتائج هذا البحث توصي الباحثة بتسليط الضوء على ما وراء المعرفة في تدرس العلوم بشكل خاص وبالتدريس بشكل عام. كما توصي بتدريب المعلمين والمعلمات على كيفية استخدام إستراتيجية شكل البيت الدائري وتطبيق هذه الإستراتيجية في الأنشطة والتجارب المعملية بحيث نضمن تعلم العقول والأيدي. . كذلك أوصت بضرورة الابتعاد عن التعلم الصم من خلال التنوع في إستراتيجيات وطرائق تدريس العلوم لتحقيق التعلم ذي المعنى. كما خلص البحث إلى ضرورة الاهتمام باستعدادات وقدرات التلاميذ و توجيه المعلمين لاستخدام الاختبارات والمقاييس الخاصة بذلك .
مقدمة:
أدت الزيادة السريعة في الاهتمام بنظريات التعلم المعرفية إلى زيادة الاهتمام بما وراء المعرفة . فقد ظهر مصطلح ما وراء المعرفة (Metacognition) في السبعينيات في بحوث فلافلFlavel الذي اهتم بكيفية قيام المتعلم بفهم نفسه كمتعلم أي قدرته على التخطيط والمتابعة والتقويم لتعلمه . وقد عرف فلافل وزملاؤه مفهوم ما وراء المعرفة بأنه "معرفة الفرد بعملياته المعرفية ونواتجها وما يتصل بتلك المعرفة" (Flavell, 1976). إن ما وراء المعرفة تعني مستويات تفكير عليا تشمل التحكم النشط بالعمليات الإدراكية المتعلقة بالتعلم مثل أنشطة التخطيط لكيفية التعلم و مراجعة و تقويم مدى تقدمنا لإنهاء المهمة أي أنها التفكير في التفكير. ويوضح كوستا هذا المفهوم بقوله "إذا انتبهت إلى أنك في حالة حوار مع عقلك, وأنك تراجع قرارك الذي اتخذته وعمليات حل المشكلة فإنك تمارس ما وراء المعرفة". Costa, 1991:211))
ويرى الباحثون أن ما وراء المعرفة تساعد المتعلم على القيام بدور فعال في جمع المعلومات وتنظيمها وتقييمها أثناء عملية التعلم (صفاء الأعسر, 1998). فتعلم الطلاب يتحسن عندما يكونون واعين بتفكيرهم أثناء قراءتهم وكتابتهم و حلهم للمشكلات أي أنها تساعدهم على أداء أفضل فقد أثبتت الدراسات وجود فروق في قدرات ما وراء المعرفة بين المتعلمين الناجحين وغير الناجحين فالتلاميذ ذوو الدرجات العالية يميلون إلى أن يمتلكوا مهارات ما وراء المعرفة أكثر من زملائهم غير الناجحين (Everson, 1997).
لذلك اقترح فلافل(1987) أن تكون المدارس مكانا لتنمية ما وراء المعرفة لما لها من دور في التعلم الذاتي الواعي. وشجعت رابطة معلمي العلوم الوطنية في الولايات المتحدة NSTA National Science Teachers Association (1998) على استخدام ما وراء المعرفة في تعليم العلوم لمساعدة الطلاب ليكونوا مسئولين عن تعلمهم من خلال تحديدهم لأهداف التعلم ومراقبة مدى تقدمهم لتحقيق تلك الأهداف. كذلك أكد فتحي جروان (2002) على الدور الذي تلعبه ما وراء المعرفة في التعلم من حيث أهميتها في معالجة المعلومات، وبالتالي لا يجوز إهمالها أو الافتراض بأن المتعلم يمكن أن يجيدها بصورة غير مباشرة عن طريق دراسة محتوى مادة التدريس. كما أكد على أن أي جهد لتعليم مهارات التفكير يظل ناقصاً ما لم يتصدَّ لمهمة مساعدة الطلبة على تنمية مهارات ما وراء المعرفة. وهناك دراسات اهتمت بالتدريب على مهارات ما وراء المعرفة بشكل مستقل عن تدريس محتوى المواد فيما يعرف ببرامج مهارات الدراسة مثل برامج تنظيم الوقت وتدوين الملاحظات وغيرها. ولكن البعض يرى أن تلك النتائج مشكوك بها و يقترح أن تنمى مهارات ما وراء المعرفة من خلال ربطها بالمحتوى التدريسي أو ما يعرف بالتعلم القائم على ما وراء المعرفة (situated learning) .(Georghides,2004 ,Gunstone and Northfield,1994).
وقد جاءت الأشكال المنظمة Graphic organizers كأحد أدوات التعلم الناجحة التي تساعد المتعلم على تنظيم واستخلاص وإظهار المعلومات (Troubredge and Wandersee, 1998, P.98) حيث يستخدمها المتعلم لتظهر الارتباطات الجديدة التي تربط بالمعلومات السابقة وهي وسيلة للتعبير عن العلاقات بين الحقائق والأفكار الأساسية لكي تفهم بشكل واضح. وكما وضحت صفاء الأعسر (1998) فإنها وسيلة بصرية تساعد المعلم والتلميذ على القيام بنشاط إيجابي في استكشاف علاقات جديدة وفهم العلاقات القائمة في المادة، والتحكم في العمليات التي يقومون بها. ومن هذه الأشكال شكل البيت الدائري Roundhouse Diagram الذي طوره وندرسي Wandersee كأداة لما وراء العمليات المعرفية لتساعد المتعلم على فهم المعرفة لديه، لذا توقعت الباحثة أن يكون لهذه الإستراتيجية دور في تنمية مهارات ما وراء المعرفة.
ومن جانب آخر تولي نظريات التعلم المعرفي أهمية لكيفية تشغيل ومعالجة الفرد للمعلومات وكيفية اكتساب الفرد للمعرفة ذاتها. وتعتبر السعة العقلية المكون الرابع من مكونات الذاكرة التي تلعب دوراً أساسياً في تجهيز ومعالجة المعلومات. فالمعلومات تنتقل خلال أجهزة الحس (الذاكرة الحسية) إلى الذاكرة قصيرة المدى، فإن كان هناك تجهيز ومعالجة عميقة للمعلومات نقلت إلى الذاكرة طويلة المدى وإذا لم تعالج هذه المعلومات فإنها تفقد. والسعة العقلية أحد العوامل الأساسية في معالجة المعلومات فهي تمثل أقصى عدد من الوحدات المعرفية أو المخططات العقلية التي يستطيع الفرد التعامل معها أو تناولها في وقت واحد أثناء معالجة المعلومات. أي أن الزيادة في كمية المعلومات ستؤدي إلى تحميل السعة العقلية فوق طاقتها وبالتالي انخفاض الأداء . ويمكن زيادة كفاءة السعة العقلية عن طريق تنظيم وتجميع المعلومات في صورة وحدات ذات معنى بحيث لا تشكل حملاً زائداً عليها وبالتالي تسهل عملية التعلم. وهنا يأتي دور إستراتيجيات التدريس والتعلم التي تساعد في تنظيم المعلومات مما دفع الباحثة إلى تجريب إستراتيجية شكل البيت الدائري كطريقة لتقليل كم المعلومات المقدمة للفرد من خلال تنظيمها للمعلومات في صورة وحدات ذات معنى بحيث تشغل حيزا أقل في ذاكرة المتعلم وتترك مساحة أكبر لإتمام عملية تشغيل ومعالجة المعلومات مما يعني أداء أفضل . و بناء عليه توقعت الباحثة أن استخدام شكل البيت الدائري كمعالجة تدريسية قد يسهم في تشغيل المعلومات وخزنها واسترجاعها والاستفادة منها بحيث لا تكون حملاً زائداً على سعة تشغيل المعلومات مما يؤدي إلى الارتفاع بمستوى الأداء وتحقيق التعلم ذي المعنى وزيادة التحصيل.
الحاجة للبحث
يمكن تناول الحاجة للبحث في أربعة محاور :
أولاً: بالنسبة لتنمية التفكير فإن البحث في التربية العلمية بدأ يلتفت إلى جانب التعلم فمقدرة المتعلم على الوعي والتحكم وضبط العمليات المعرفية فيما يعرف بالتفكير ما وراء المعرفي يعتبر أحد النواتج الأساسية للتعلم التي يمكن تنميتها من خلال خبرات تعليمية مناسبة كما أوضح مشروع بيل PEEL في استراليا (Gunstone and Mictchell, 1998). حيث يشير قنستون Gunstone (1994) أن جميع المتعلمين يمتلكون مهارات ما وراء المعرفة ولكن بدرجات متفاوتة لذا فإن تنميتها تعتبر هدفاً بحد ذاتها إلى جانب كونها مهمة في التحصيل. أي أن هناك حاجة لتطبيق إستراتيجيات تساعد المتعلمين أن يستخدموا التفكير ما وراء المعرفي بحيث يكونون واعين بأفكارهم وهذا ما يبرر المناداة لإدخال ما وراء المعرفة في المناهج (Georgides,2004)) ومزج المقررات الدراسية بإستراتيجيات تعليمية تصمم خصيصاً لتنمية قدرات الوعي بالتفكير (صفاء الأعسر، 1998: ص 66). خاصة مع ندرة في الدراسات التي تهدف إلى تنمية مهارات ما وراء المعرفة.
ثانيا: بالنسبة للبحث في التربية العلمية فما زال البحث في ما وراء المعرفة في مراحله الأولى فهناك توجه في بحوث التربية العلمية نحو التعلم القائم على ما وراء المعرفة حيث يرى Georgides,2004)) الحاجة ماسة لبحث دور ما وراء المعرفة في تعلم العلوم و تحقيق أهدافه . أيضا هناك فجوة بين النظرية والتطبيق فما وراء المعرفة غير معروفة لدى معلمي العلوم ولا تتوافر الوسائل والمصادر لتطبيقها في التدريس. ويتفق في ذلك (Rickey and Stacy (2000) الذي يرى أن تنمية التفكير ما وراء المعرفي في تدريس الكيمياء وعلاقة ذلك بنواتج التعلم من القضايا التي تحتاج إلى تسليط الضوء عليها.
ثالثا: بالنسبة لتدريس العلوم حيث تركز الممارسات التدريسية وكتب العلوم على تعلم الحقائق وتقييم تذكرها أكثر من تركيزها على الفهم العميق وإدراك العلاقات (Mintzes and Wordersee, 1998) ويشير واقع تدريس العلوم في مدارسنا إلى التركيز على المعرفة كغاية في حد ذاتها وعلى تدريس المعلومات بدون الاهتمام بتنمية التفكير لدى التلاميذ (أحمد النجدي ومنى عبد الهادي وعلي راشد، 1999)، بينما تركز الاتجاهات الحديثة في التربية العلمية على العلاقات والترابط بين الصفوف والمواد فالمادة يجب أن تؤكد على الفهم العميق للأفكار الرئيسية ذات المعنى وكذلك العلاقات مع الفكرة الرئيسية (NSTA, 1998- 1999) . كما يرى نوفاك وجوين Novak and Gwin (1984) أن التلاميذ يحتاجون إلى المساعدة في تعلم كيف يبنون المعرفة من خبراتهم في الفصول . لذلك فهناك حاجة إلى تجريب الإستراتيجيات التي تساعد على فهم التعلم لذا توقعت الباحثة أن يكون لإستراتيجية شكل البيت الدائري أثر إيجابي في مساعدة الطالبات على فهم التعلم وبالتالي رفع مستوى التحصيل لديهن.
رابعاً: بالنسبة لتعلم العلوم حيث لاحظت الباحثة أثناء إشرافها على التربية الميدانية الصعوبات التي تواجهها الطالبات في العلوم من حيث كثرة المصطلحات وتشابهها وعدم إدراك العلاقات وعدم القدرة على الاحتفاظ بالمعلومات لمدة طويلة وهذا ما أكدته دراسة استطلاعية للكشف عن مستوى احتفاظ الطالبات للمفاهيم الأساسية بوحدة الخلية ونشاطاتها وذلك بإجراء اختبار تحصيلي لتلك المفاهيم. وبالرغم من تناول المناهج للمفاهيم بالصفوف السابقة إلا أن درجة كسبهن لتلك المفاهيم كانت غير مرضية. ولما كانت إستراتيجية شكل البيت الدائري مبنية بشكل رئيسي على فكرة تنظيم المعلومات في البنية المعرفية للمتعلم من أجل فهم المفاهيم العلمية وإدراك العلاقات بينها لذا افترضت الباحثة أن إستراتيجية شكل البيت الدائري قد تساعد في جعل التعلم تعلماً ذا معنى.
خامسا : ندرة الدراسات التي تناولت إستراتيجية شكل البيت الدائري فلا يوجد حسب علم الباحثة إلا دراسة (Hackney and Ward,2002) ودراسة Ward and Wandersee (2004) لدراسة أثر إستراتيجية شكل البيت الدائري في التعلم ذي المعنى إلا أنهما لم يتناولا فاعليتها في تنمية مهارات ما وراء المعرفة، لذا تنبعث فكرة البحث الحالية باختبار فاعليتها في تنمية مهارات التفكير ما وراء المعرفي.
سادسا ً: بالنسبة للفروق الفردية حيث يهتم المتخصصون في المناهج والتدريس بالفروق الفردية بين التلاميذ في كيفية التعامل مع المعلومات والاحتفاظ بها وتنظيمها. وتعتبر السعة العقلية للفرد من العوامل المؤثرة على التعلم حيث تلعب دوراً أساسياً في تجهيز ومعالجة المعلومات. لذا تتضح الحاجة لمعرفة مدى تحقيق التعلم باستخدام هذه الإستراتيجية مع التلاميذ ذوي السعات العقلية المختلفة خاصة في ظل طرق التدريس التقليدية التي لا تعير اهتماما للفروق الفردية بين التلاميذ.