مرةً أو مرتين في كل عام تعود ابنتي من المدرسة، لتحكي لنا عن تجربة الحريق، وتقول ببعض الغضب إن المعلمين استطاعوا من جديد أن «يخدعوا» الطلاب والطالبات، فعندما دق جرس إنذار الحريق، والذي له رنين يختلف تمامًا عن الجرس المستخدم في نهاية الحصة، وقف جميع الطلاب فورًا، كما تعلموا، لكن بعض الطلاب المعروفين بالمشاغبة، نظروا من النوافذ، وقالوا ليس هناك أي دخان أو نيران تندلع في أي مكان من المدرسة، فيتفرس الطلاب في وجه المعلم أو المعلمة، هل يعبِّر عن الهلع، أم عن الاستياء من ضياع بعض وقت الحصة، بحيث يتصرف الطلاب على هذا الأساس، لكن وجوه المعلمين جميعًا تتحول في هذه اللحظات، إلى وجوه خالية من التعبيرات، يتحولون إلى ماكينات تقوم بمهمة جادة، فيتحرك الطلاب فورًا، دون أخذ المعطف، أو الطعام، لأنهم تعلموا أهمية كل ثانية.
وتضيف ابنتي والضحكة تغالبها أن طلاب الصف الخامس الابتدائي، كانوا في حمام السباحة المغطَّي، مستمتعين بالماء الدافئ في هذا اليوم من الشتاء، وعندما سمعوا جرس الإنذار، خرجوا مثل غيرهم، ووقفوا في فناء المدرسة بملابس السباحة للحظات، ولكن مدير المدرسة سمح لهم بارتداء معاطف، كانت في انتظارهم خارج المبنى.
ثم تعود لغضبها، وتوضح أن موعد التدريب يختلف كل سنة عن موعده في السنة التي قبلها، حتى يأتي على حين غرة، وبدون استعداد مسبق، فلايفقد جدواه، ثم تفتح موقع المدرسة على الإنترنت، وتقرأ المقال الذي كتبه أحد الطلاب، عن تجربة الحريق، التي تتكرر كل سنة، ويشير إلى أن الجميع سعيد أنها تجربة لحريق وهمي.
وذكرت أن الطلاب سألوا المعلم بعد انتهاء تجربة الحريق، وعودتهم إلى الصف، عما إذا كان سيكشف لهم ما إذا كان هناك حريق بالفعل، أم سيتركهم يتحركون بهدوء ونظام كما يفعلون كل سنة؟ فرد عليهم بأنه لن يخبرهم، لأن معرفتهم بأن هناك حريقا فعلا، سيجعلهم يضطربون، وينتابهم الفزع والخوف، مما سيؤثر على التزامهم بما تعلموا، ولذلك فالمفروض عليهم أن يتعاملوا بجدية، لأن ذلك أهم ما في الأمر، سواء كان الحريق حقيقيًا أو وهميًا.
تصمت ابنتي برهة، ثم تقول: «إننا نفعل كل ما نقدر عليه، ثم نتوكل على الله»، ثم تضيف متسائلة: «أليس هذا ما نتعلمه من ديننا الإسلامي؟» أصدِّق على كلامها، وأحمد الله على توفر كل إجراءات الوقاية من الحريق في مدرستها، وأحمده أكثر على فهم ابنتي الصحيح لمعنى التوكل على الله.