بقلم : د . رجاء عمر باحاذق
في إحدى مدارس مدينة الرياض وتحديدًا في مرحلة رياض الأطفال كان الموعد مع تطبيق دراسة بعنوان «كيف يدعم استخدام أدوات مونتيسوري الحسية مهارات حل المشكلات لدى الأطفال في مرحلة ما قبل الدراسة».
تقوم الدراسة على بحث أثر الأدوات التعليمية المصممة من قبل الدكتورة الشهيرة «ماريا مونتيسوري» لدعم نمو الأطفال، باعتبار أن تعلم مهارات حل المشكلات عنصر رئيسي في الدراسة الناجحة التي ترمي إلى تحسين فرص الآفاق الوظيفية للطلاب.
استخدمت الدراسة نموذجًا شبه تجريبي طبق على 24 طفلاً في سن الخامسة – 12 ولدًا و12 بنتًا – خلال عام دراسي كامل.
تم تقييم قدرة الأطفال على حل المشكلات باستخدام مقياس القدرات البريطاني (باس2) الذي صمم لقياس حل المشكلات، وكشفت نتائج التحليل الكمي وجود اختلافات كبيرة بين عينة الطلاب التي خضعت للتجربة مع غيرها في القدرة على حل المشكلات.
قليلة هي الدراسات التي بحثت موضوع حل المشكلات لمرحلة ما قبل الدراسة (كن، جونسون وجونسون 1995, أشلي وتوماسيللو 1998). يقول تومسون (2006) أن هناك دراسات محدودة عن تأثير أدوات مونتيسوري في هذا المجال. لذا هدفت هذه الدراسة إلى إدخال مجموعة من أدوات مونتيسوري الحسية في نطاق منطقة اللعب لأحد فصول مدرسة في مدينة الرياض في مرحلة رياض الأطفال، لتحديد إذا ما كان استعمال هذه الأدوات يمكن أن يحسن مهارات حل المشكلات لدى الأطفال. ومن أجل دعم نمو الأطفال، أوصت الدراسة بأنه من الضروري توفير بيئة تشتمل على أنشطة لتشجيع الطلاب للتعلم عن طريق اللعب.
وتدمج الدراسة بين أدوات المونتيسوري والدور الذي يؤديه المعلم، فطريقة المونتيسوري تتكون من ثلاثة مكونات: الطفل، والبيئة المعدة، وأحد المرشدين من ذوي الثقافة ورهافة الحس.
وقد هيأت مونتيسوري وأعدت بيئتها التعليمية بعناية، وصنعت الأدوات الخاصة بها ليستخدمها الأطفال، وقدمت الأدوات «الحسية» بهدف جذب انتباه الأطفال، لتثقيف وتطوير الحواس.
ويهدف التعليم الحسي إلى تدريب الحواس الخمس للطفل من خلال مواد حسية مصممة خصيصا بهدف تحسين قدرات الطفل على التمييز والتصنيف (جتر1971 : 73).
عالجت الدراسة الأسئلة التالية:
- هل اللعب بأدوات مونتيسوري الحسية تنمي مهارات حل المشكلات لدى الأطفال؟
- في نهاية الفترة التجريبية، هل سيظهر فارق ملحوظ في مهارات حل المشكلات بين المجموعة التي مارست اللعب بأدوات مونتيسوري الحسية وبين المجموعة الأخرى طبقا لمقياس القدرات البريطاني (باس2)؟
- ما وجه الفرق أو التشابه بين المجموعتين الخاضعتين للتجربة على مقياس (باس2)؟
أدوات المونتيسوري الحسية
قسمت ماري مونتيسوري (1870-1953) طريقتها إلى ثلاثة أجزاء: التعليم الحركي والتعليم الحسي والتعليم اللغوي (مونتيسوري 1912-2003) وقسمت فصلها إلى ست مناطق رئيسة: اللغة والتاريخ والجغرافيا، والرياضيات، والحياة الحسية والحياة العملية.
والأدوات الحسية تتدرج من أدوات بسيطة (ذات حل واحد) إلى أدوات أكثر تعقيدا (ذات حلول أصعب وأكثر تنوعًا) بحيث يتحدى هذا التدرج قدرات الطفل.
في صف المونتيسوري، ينبغي استخدام مواد مونتيسوري في الغرض الذي صممت له. كل مادة لها مشكلة ولها نقاط محددة تشد انتباه الطفل، وكل مادة تساعد الطفل على تحسين القدرة في مهارات معينة.
ومن الأدوات الحسية ما يلي:
- برج المكعبات الوردي: ويتألف من عشرة مكعبات من 1 سم إلى 10 سم.
- الدرج البني الواسع: ويتألف من عشرة منشورات.
- القضبان الحمراء: ويتألف من عشرة قضبان 2سم طول * 2سم عرض، تتدرج في الطول من 10 إلى 100 سم.
وتوجد أدوات أخرى مثل أقراص الألوان، ومثلثات إنشائية، والخزينة الهندسية.
وصممت مونتيسري هذه الأدوات لتعلم كل حاسة على حدة، فقد عزلت كل حاسة لتركز انتباه الطفل في المثير الحسي الذي يعمل فيه (مونتيسوري 1965).
وقدمت مونتيسوري سلسلة من الأنشطة التحضيرية التي تجعل الأطفال يركزون في الحقائق المتعلقة ببيئتهم. وإضافة إلى ذلك فإن بعض الأدوات التعليمية الحسية لها خاصية السيطرة على الخطأ، ما يؤدي إلى إجراءات لتصحيح الأطفال لأنفسهم (مونتيسوري 1961- جتر 1971) ويؤدي التصحيح الذاتي للأطفال إلى تركيز اهتمامهم على الاختلافات في البعد والتشابه في البعد ومقارنة عدة قطع.
ويمكن ملاحظة اثنين من الأهداف الأساسية للتعليم الحسي وهما تطوير الطفل ككل، وكما قال جتر (1971) تطوير تفكيرهم من المحسوس إلى المجرد، فمواد مونتيسوري التعليمية تحاول تثقيف العين لتمييز الاختلافات في البعد.
الطريقة
تهدف أسئلة الدراسة إلى كشف العلاقة بين استخدام الأدوات الحسية وحل المشكلات عند الأطفال. وهذه الدراسة تستخدم نموذجًا جماعيًا لقياس قدرات الأطفال قبل وبعد التجربة ويطبق على أزواج متماثلة من الأطفال. والتماثل يكون بين المجموعتين الخاضعتين للتجربة بحيث يتم المقارنة بينهم باختبار قبلي يقيس المتغير التنموي أو المتغير المرتبط بالمتغير التابع (بروج وغال 1983؛ روبسون 2002).
والتماثل يقلل الفوارق الأولية بين المجموعتين الخاضعتين للتجربة وهو مفيد أيضًا في حالة الدراسات على عينات صغيرة.
ومعايير التماثل هي: الجنسية السعودية، وكل الأطفال ينبغي أن يكونوا في سن الخامسة من العمر، ويجب أن يتطابق الجنس، فهناك ستة أزواج متماثلة من الفتيان وستة أزواج متماثلة من الفتيات بنتيجة تسجيل متشابهة على مقياس (باس2)، وأدوات حسية جديدة.
استخدمت الدراسة مقياس القدرات البريطاني لتحديد عينة البحث وللإجابة عن السؤال الأول من أسئلة الدراسة. وهذه الدراسة لا تركز على قياس لغة الأطفال، ومن ثمَّ لم تستخدم مقاييس الاستيعاب اللفظي ولا إدراك المفردات. ولم يستخدم مقياس تعلم الأرقام البسيطة، لأن هذه الدراسة لا تركز على الكتابة والحساب للأطفال.
كانت المقاييس الأربعة الفرعية المختارة هي: وحدات البناء، والتشابه في صورة، ونمط البناء، والنسخ. وهذه المقاييس الفرعية الأربعة غير لفظية وتستغرق نحو 30 دقيقة لكل طفل.
فحص الباحث 108 أطفال ووجد 12 زوجًا متماثلين، وتم اختيار المشاركين على أساس أنهم لم يسبق لهم اللعب بأدوات مونتيسوري الحسية من قبل، وكونهم في نفس العمر ومن نفس الجنسية.
تم تحديد 12 زوجًا سجلوا درجات متشابهة على مقياس (باس2) القبلي في بداية العام الدراسي.
وقسم الأطفال إلى مجموعتين كل مجموعة تضم 12 طفلاً، إحدى المجموعتين منعت من الوصول إلى أدوات مونتيسوري الحسية، والمجموعة الأخرى حصلت على الأدوات لمدة عام كامل، وقسمت هذه المجموعة إلى مجموعتين فرعيتين إحداهما حصلت على الأدوات مع تفاعل أحد الراشدين معهم، والمجموعة الثانية حصلت على الأدوات فقط دون تفاعل أحد الراشدين معهم. وكان عدد البنات والأولاد متساويًا، وفي نهاية العام الدراسي قام الباحث بإجراء اختبار القدرات البعدي (باس2) في نفس الغرفة.
قدم المعلم (1) والمعلم (2) المجموعة الأولى التي خضعت للتجربة مع أدوات مونتيسوري، وقدم المعلمون الأدوات للطلاب بطريقة تنسجم مع أسلوب مونتيسوري.
ولوحظ أنه من الأسبوع الرابع بدأ الأطفال ينتجون حلولاً مختلفة عن حلول مونتيسوري، وظل الأطفال لمدة 22 أسبوعًا (عام دراسي كامل) لهم حرية اللعب بأدوات مونتيسوري الحسية أو غيرها من الأدوات.
كما تم تخصيص المعلم (2) للمجموعة التي تحرم من تفاعل أحد الراشدين معها، وفي حال أن طلب منه أحد الأطفال مساعدة فإنه يوجهه إلى أن يسأل طفلاً آخر، وربما قدم له مساعدة لكن دون إعطائه حلولاً.
مناقشة
كان الهدف من الدراسة هو معرفة أثر أدوات المونتيسوري الحسية في قدرة الأطفال على حل المشكلات، وقد ساعد اختبار (باس2) القبلي في تحديد عينة البحث ووجد 12 زوجًا متشابهة، كل زوجين متشابهين لهم نفس النتائج على مقياس القدرات (باس2)، أحد الزوجين يخضع للدراسة بتعامله مع أدوات مونتيسوري الحسية لقياس أثرها في قدرته على حل المشكلات، بينما الزوج الآخر لا يمارس اللعب بهذه الأدوات.
وساعد نموذج الأزواج المتماثلة الباحث في تحديد الفروق بين المجموعة المشاركة في الدراسة وغيرها، واستخدمت سلسلة من اختبارات مستقلة لتحديد ما إذا كانت توجد أي اختلافات كبيرة بين المجموعات المشاركة وغيرها باستخدام مقياس (باس2) قبل وبعد الدراسة.
وأشارت نتائج الدراسة إلى أن الأطفال الذين لعبوا بأدوات مونتيسوري الحسية سجلوا نتائج أفضل في مقياس القدرة على حل المشكلات بصورة ملحوظة.
لكن لم يظهر فرق في القدرة على حل المشكلات بين قسمي المجموعة الخاضعة للدراسة، وتعطي هذه الدراسة الدليل على فوائد دمج أدوات مونتيسوري الحسية في تعليم رياض الأطفال خصوصًا في جانب تنمية القدرة على حل المشكلات.
ولم تتعرض الدراسة لتأثير عامل اختلاف الجنس، لكن النتائج كانت عامة بالنسبة للأولاد والبنات حيث حققوا نتائج أفضل ممن لم يشارك في الدراسة.
الخلاصة
كما ظهر لنا فإن الأطفال تعلموا عن طريق اللعب، وكشفت الدراسة أن الأطفال يمكن أن يطوروا قدراتهم على حل المشكلات باللعب بأدوات المونتيسوري الحسية، وتسهم النتائج المستخلصة من هذه الدراسة في أبحاث التعليم السعودي لمرحة ما قبل المدرسة، وإبراز الأثر القيم لأدوات مونتيسوري الحسية في تعزيز قدرة الأطفال على حل المشكلات. كذلك أظهر مقياس القدرات (باس2) عدم وجود فروقات بين قسمي المجموعة التي خضعت للتجربة، حيث حظي أحد القسمين بإشراف أحد الراشدين أثناء اللعب بالأدوات بينما لم يحظ الآخر بذلك.