منذ أن صدر تقرير (أمة في خطر) بالولايات المتحدة الأمريكية في ثمانينيات القرن الماضي حول قصور مناهج التعليم المدرسية، وضرورة تطوير منهج التعليم الأمريكي ليكون قادرًا على إنتاج كفاءات متقدمة في التكوين المعرفي للمواطنين، لاتزال قضايا تطوير مناهج التعليم تمثل هاجسًا وتحديًا كبيرًا للعديد من الأمم.
يطرح تطوير المنهج الدراسي الكثير من العلامات في مسيرة أي أمة؛ فقياس تقويم الأمم معرفيًا لا تعكسه إلا البنى والمنهجيات المؤسسة لمنظومة متكاملة في فلسفة التعليم، وعلاقتها بمنظومة القيم الأخرى كقيمة المواطنة والحرية والبحث واللامركزية وغيرها.
في هذا الملف نستعرض مجموعة من الموضوعات المتصلة بقضايا تطوير المنهج الدراسي لا سيما في أصوله الأولى ومراحله المختلفة.
وهي قضايا لا يمكن قراءتها إلا عبر تنويع زوايا النظر في فلسفة التطوير ومنهجياته من ناحية، وربط تلك المجالات بعضها ببعض عبر إدماجها في بنية منهجية لها القدرة على إنتاج مخرجات ذات معايير عالية تربط رؤية المنهج بمفهوم التنمية المستدامة.
ولأن هناك أكثر من مقاربة تسمح بها تجارب الأمم الحية في النظر إلى تطوير المنهج الدراسي، سواء عبر اللامركزية كما في كندا، أو عبر المركزية كما في كوريا الجنوبية؛ تنشأ حاجة ماسة إلى مقاربة وطنية تحدق عميقًا في متطلبات تطوير المنهج الدراسي؛ وتستصحب معطيات وآليات ورؤى تنطوي على نظر عميق وثاقب، مستفيدة من التجارب التطويرية للأمم الفاعلة حيال معالجتها للأزمات التي تنشأ على هامش قصور مناهجها التعليمية عن تحقيق متطلبات التنمية المستدامة.
وعليه فإن إشكالية تطوير المنهج الدراسي في المملكة العربية السعودية ترتبط في كثير من جوانبها بمدى القدرة على الاستجابة لتحديات الواقع الراهن في مختلف تجلياته وانعكاساتها على المجتمع والعالم، ومدى تفاعلها مع المعالجات التي تطرحها النظم التعليمية المتقدمة في تناولها لقضايا وأزمات المنهج الدراسي وامتداداتها المجتمعية المختلفة.