تطرح سويسرا نموذجًا مختلفًا للتميز والإبداع في أوربا والعالم. وعبر تجربة تاريخية طويلة من إدارة التنوع والتعايش والنجاح كان لسويسرا مكانة مرموقة ظلت باستمرار علامة عميقة لجدوى المواطنة العابرة للغات والأعراق، واختبارًا حقيقيًا لصناعة الحياد الإيجابي حيال مختلف النزاعات والصراعات التي أنهكت أوروبا. استطاعت سويسرا استثمار واستيعاب تناقضات المجتمعات الأوروبية طوال القرنين الماضيين، فحققت استقرارًا عكس فرادتها ليس فقط في مستوى السلم الذي نعمت به بل وكذلك في الاستثمار الأقصى لمعنى الاستقرار وانعكاساته على جملة من التحولات والإنجازات الصناعية والاقتصادية لذلك الشعب الصغير.
فمن تحقيق الديمقراطية الفيدرالية على المستوى السياسي؛ إلى الازدهار الاقتصادي والمصرفي بعيدًا عن خط الأزمات المالية؛ وإلى الريادة التاريخية التي حازتها في مجال صناعة الساعات حتى الشكولا، كل تلك الحيثيات جعلت من ذلك الشعب الصغير قادرًا على إنجاز فرادة غير مسبوقة.
في هذا الملف الذي أعده الزميل أسامة أمين، نحاول أن نتأمل سويسرا عبر مجموعة من الموضوعات المختلفة والدالة على تلك الفرادة. وخاصة لجهة التعليم الذي سجلت فيه سويسرا نجاحات في الكم والنوع إلى درجة جعلت من قيمة الشهادة الثانوية فيه مساوية للشهادة الجامعية في بلدان أوروبا.
كذلك نقرأ عن سر النظام المصرفي العريق وصموده في وجه تحدي الأزمات الاقتصادية من حوله في حوار المعرفة مع د. خالد النجار المستشار المالي بالبنوك السويسرية.
كما يتطرق الملف إلى علاقات سويسرا مع الاتحاد الأوروبي وما يتصل بها من تقاطعات وتمايزات. بالإضافة إلى صناعة الساعات السويسرية وتاريخها العريق والحافل بالكثير من محطات الإبداع والإنتاج والتحدي في السوق العالمية.
وعن الأدب السويسري نتوقف عند (فريدريش دورينمات) الأديب السويسري المعروف لقراءة بعض نماذجه الأدبية المنفتحة على العالم.
وأخيرًا يتناول الملف قضية المسلمين في سويسرا للتعرف على طبيعة وجود المسلمين وعلاقتهم بالشعب السويسري لا سيما بعد التصويت الشهير في البرلمان حول بناء المآذن في المساجد السويسرية.
عبر تلك الزوايا يأتي هذا الملف ليلقي الضوء على بعض الأسرار الصغيرة لهذا البلد، وما يمتاز به الشعب السويسري من فرادة لم يمنع منها تعدد الأعراق ولا اختلاف اللغات، عبر تجربة أكد تاريخها الفريد أن التنوع هو علامة الحيوية في كل أمة تراضت على العيش المشترك في ضوء قيم المواطنة.