سويسرا من أكثر الدول إنفاقًا على التعليم، وتحتل المرتبة الأولى عالميًا من حيث المنشورات العلمية، وتضم أكبر عدد من المبدعين الحائزين جوائز نوبل، بالنسبة لعدد السكان، لكن طلابها لا يحتلون القمة في برنامج التقييم الدولي للطلبة (بيزا)، ونسبة الحاصلين منهم على الثانوية العامة أقل من 20 في المائة، ونسبة الجامعيين هناك أقل من نسبتهم في الولايات المتحدة، وهولندا، وفنلندا، وبريطانيا، وفرنسا. وفي حين تقوم سويسرا بحملة ترويجية لاكتساب الدارسين الأجانب من كل العالم إلى جامعاتها، نجدها في الوقت ذاته تسن القوانين الصارمة التي تعرقل هذه الحملة. فما سر كل هذه المتناقضات؟
عندما ظهرت نتائج برنامج التقييم الدولي للطلبة (بيزا) في عام 2001، وتبين احتلال طلاب سويسرا للمرتبة 17 في القراءة، و18 في العلوم، ضمن ترتيب الدول الثلاثين الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، ثار الرأي العام السويسري على المعلمين، الذين يحصلون على أعلى رواتب في العالم، ويلتهمون حوالي 85 في المائة من النفقات الجارية لمؤسسات التعليم الإلزامي، إلا أن المعلمين نبهوا إلى أن نفس هؤلاء الطلاب حصلوا على المرتبة الثامنة في مجال الرياضيات، وأن ضعف المستوى في القراءة، ربما يعود إلى وجود أربع لغات قومية، وأن الطالب لا يتعمق في لغة واحدة، بل يكون مطالبًا بتعلم ثلاث لغات في الوقت ذاته، كما أرجعوا هذا الضعف إلى الاختلاف بين أنظمة التعليم في الكانتونات المختلفة، فإذا انتقل طالب من كانتون إلى آخر، وجد اختلافًا بين ما درسه في مكان سكنه السابق، علاوة على النسبة العالية لأطفال المهاجرين، الذين يعانون من ضعف اللغة، ويؤثرون بالتالي على المستوى العام للتعليم.
طالب بعض السياسيين بإعادة النظر في سياسة اللامركزية التي تنتهجها الدولة، والمتبعة بصرامة في مجال التعليم، واقترحوا وضع معايير ثابتة تلتزم بها كل الكانتونات، والعمل على وضع برنامج مركزي للمتابعة، تشرف عليه الحكومة الفيدرالية، ويضمن توحيد أنظمة التعليم في كافة أنحاء البلاد، ويجعل الصلاحية في يد هذه الحكومة المركزية، بدلاً من وجودها في يد 26 حكومة محلية في الكانتونات المختلفة.
وبدلاً من مناقشة هذا الاقتراح، ردت الكانتونات بالرفض القاطع، وبعدم الاستعداد لطرح الأمر للمناقشة، ونبهت إلى أنها هي التي تتولى الإنفاق على التعليم الإلزامي بنسبة 100 في المائة، لذلك ترفض أن ينازعها أحد في هذا الحق، كما أنها تتحمل أكثر من 80 في المائة من إجمالي النفقات السويسرية على التعليم بجميع مراحله، بالتعاون مع الحكومة المركزية.
لكن النتائج التي تحققت في الاختبارات التالية أوضحت أن المسؤولين السويسريين لم يقفوا مكتوفي الأيدي منذ ذلك الحين، ففي العام الماضي جرى الإعلان عن نتائج اختبارات عام 2009م، واتضح أن هناك بعض التحسن، ففي مجال القراءة حقق الطلاب المرتبة 14 بدلاً من المرتبة 17، وفي العلوم المرتبة 15 بدلاً من 18، في حين استطاعوا الاحتفاظ بالمرتبة الثامنة في الرياضيات.
أما انخفاض نسبة الطلاب السويسريين الملتحقين بالتعليم الثانوي العام، فيرجع إلى الإقبال الكبير على التعليم الفني، الذي يلتحق به 70 في المائة من الطلاب بعد المرحلة المتوسطة، لأن نظام الدراسة المزدوجة في التعليم الثانوي الفني، الذي يجمع بين المعارف والعلوم النظرية من جانب، والتدريب العملي في الورش والمصانع من جانب آخر، يضمن حصول الخريج على وظيفة جيدة، ويعتبر المسؤولون عن هذا التعليم أن خريج المدارس الثانوية الفنية السويسرية، لديه من الكفاءة ما يجعله يتفوق على نظرائه في بقية دول العالم، لأنه يدرس في هذه المرحلة الثانوية الفنية، ما يدرسه غيره في المرحلة الجامعية، ولعل ذلك يبرر أيضا انخفاض نسبة الخريجين الجامعيين في سويسرا، مقارنة مع الكثير من الدول، لكنها على أي حال أعلى منها في دول متقدمة مثل ألمانيا وإيطاليا والنمسا.
ويرد المسؤولون على وضع قوانين صارمة بالنسبة للأجانب القادمين للدراسة في الجامعات السويسرية، مثل منعهم من مزاولة أي عمل إلى جانب الدراسة خلال الأشهر الستة الأولى، وإلزامهم بالتوقيع على تعهد بمغادرة البلاد بعد ثماني سنوات من بدء دراستهم، بأن هذه القوانين لم تمنع بلوغ نسبة الطلاب الأجانب بين جميع الدارسين أكثر من 20 في المائة، وأن المطلوب هو حصول المواطن السويسري على مكان للدراسة في جامعات بلاده، بحيث لا يتجاوز عدد الدارسين القدرة الاستيعابية للجامعات، كما أن شرط المغادرة بعد ثماني سنوات، لا ينطبق على من حصل على وظيفة، بعد تخرجه من الجامعة، وظهور حاجة لكفاءته في سوق العمل السويسري، أما من لم يجد وظيفة، فالأولى أن يعود إلى بلاده.
إن المتأمل للتاريخ السويسري، يجد أن التعليم متأصل في هذه الدولة منذ قرون، وأن هذا الاهتمام لم يكن مقتصرًا على محو الأمية، وفتح المدارس لتوفير التعليم المجاني فحسب، بل كانت هناك دومًا رغبة في الإصلاح والتطوير، إيمانًا بأن هناك دومًا إمكانية لتحقيق نتائج أفضل، حتى أصبحت سويسرا رمزًا لكل ما هو متقن ودقيق وللجودة العالية، وهو الأمر الذي لا يتحقق بدون التعليم.
وقبل استعراض النظام التعليمي في سويسرا بمراحله المختلفة، وأهداف كل مرحلة، واستعراض بعض الإحصائيات التي تسهم في توضيح الصورة، فإن التعرف على نشأة التعليم في التاريخ السويسري، تفيد في فهم حاضر التعليم ومستقبله هناك.
تاريخ التعليم
في العصور الوسطى وفي بداية العصر الحديث كان التعليم في يد الكنيسة، فكانت المدارس التابعة للأديرة هي أكبر القائمين على مهمة التعليم في البلاد، وكان أكثر الدارسين هم من الطلاب الراغبين في الالتحاق بالعمل في خدمة الكنيسة، مثل الرهبان، وكانت الدراسة تتضمن تعلم القراءة والكتابة والقواعد والمنطق واللغة اللاتينية، وابتداءً من القرن الثاني عشر تزايد الاهتمام بما يعرف باسم (الفنون السبع الحرة)، وهي النحو والبلاغة والمنطق، والحساب والهندسة الرياضية، والموسيقى وعلم الفلك، مما أتاح للخريجين من هذه المدارس الالتحاق بالدراسة الجامعية في تخصصات الفلسفة واللاهوت والفقه.
أما المدارس غير الدينية فقد ظهرت بعيدا عن الأديرة، ابتداءً من القرن الثالث عشر، وكان معظم تلاميذها من أبناء الطبقة الراقية في المدن، وكانوا إذا ما انتهوا من الحصول على المعلومات الأساسية، باللغة اللاتينية، التحقوا بالعمل في مكاتب المحاماة، قبل أن ينتقلوا بعد ذلك للعمل السياسي أو الدبلوماسي، أو في توكيل تجاري لاكتساب المزيد من الخبرات.
وكان الطلاب السويسريون يلتحقون بالدراسة الجامعية خارج بلادهم قبل إنشاء الجامعات، فكانوا يدرسون في إيطاليا (جامعات بولونيا وسيينا وبافيا) أو فرنسا (جامعة باريس)، أو ألمانيا (جامعات إرفوت، وكولونيا ولايبزج)، أو بولندا (جامعة كراكوف)، ولكن التكاليف الباهظة للدراسة في الخارج، جعلت الأمر يقتصر على الطلاب التابعين لطبقة رجال الدين، وفي عام 1460م تأسست أول جامعة سويسرية في مدينة بازل.
وفي مطلع العصر الحديث أثناء هيمنة ما يعرف بالحركة الإنسانية، التي انتشرت في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، والحركة الإصلاحية في الكنيسة، والتي قامت في الفترة من 1571 إلى 1648م، ظهرت تأثيرات هاتين الحركتين أيضا على المناخ التعليمي في سويسرا.
إلزامية التعليم وانتشار المدارس
كان كانتون جنيف أول من فرض إلزامية التعليم في عام 1536م، وفي عام 1615م كلفت بيرن ومن بعدها زيوريخ في عام 1637م السلطات المحلية فيها بإقامة المدارس في كل الأحياء، علما بأن هذه المناطق كانت تسكنها غالبية تابعة للكنيسة الإنجيلية، على عكس المناطق ذات الأغلبية الكاثوليكية التي انتشر فيها التعليم في وقت متأخر.
كانت الطبقة الراقية في المجتمع غير راضية عن انتشار التعليم في البلاد، لأنها خشيت أن تفقد مكانتها المتميزة في المجتمع السويسري، وكانت مستويات المدارس متفاوتة من حيث جودة التعليم فيها، وكانت معدلات الالتحاق بالتعليم تختلف حسب المناطق وتبعًا للمستوى الاجتماعي، وعلى سبيل المثال بلغت نسبة الملتحقين بالتعليم في الربع الأخير من القرن الثامن عشر في جنيف حوالي 100 في المائة، مقابل 75 في المائة في زيوريخ وتسوج، وحوالي 25 في المائة في كانتون تيسين، بل كانت النسبة في المناطق النائية أقل من ذلك.
كانت المدارس الابتدائية تقوم بتدريس القراءة لجميع الطلاب، والكتابة لبعض الطلاب فقط، والحساب لعدد أقل منهم، وكان التعليم يعتمد على التدريس المنفرد، أي يقوم المعلم بالشرح لطالب بمفرده، ثم يعطيه تمارين، يجيب عليها وحده، ثم يمر عليه المعلم ليراجع معه الإجابات، وكان الحفظ والتسميع هو الأسلوب المتبع آنذاك، وكان مسموحًا بأن يقوم الطلاب بتعليم بعضهم بعضا.
وكان التعليم في المدارس المتوسطة والثانوية مرتبطًا إلى حد كبير بالمذهب الديني، فالكاثوليك لهم مدارسهم التابعة للأديرة، والتي تفصل بين الذكور والإناث، الرهبان يشرفون على تعليم الطلاب، والراهبات يشرفن على تعليم الطالبات، ومدارس البروتستانت مستقلة عن الكاثوليك، وكان التركيز على الفنون والأدب والفلسفة، كما كانوا يتعلمون اللغات اليونانية والعبرية واللاتينية الكلاسيكية.
تأسست في زيوريخ وبيرن ولوزان وجنيف مؤسسات للتعليم العالي، بهدف إعداد القسس البروتستانت، كما أدى انتشار المذهب البروتستانتي في بازل، إلى فقدان الكاثوليك للجامعة التي كانت في هذه المدينة، ولذلك حصل أتباع هذا المذهب المسيحي من السويسريين على معهد عال باسم (كوليجيوم هلفتيكوم) في مدينة ميلانو الإيطالية.
إصلاح التعليم منذ القدم
بدءًا من عام 1750م اجتاحت أفكار الفيلسوف الشهير جان جاك روسو سويسرا، وتطلع الجميع إلى إصلاحات في مجال التعليم، وأسهم في ذلك انتشار فلسفة التنوير، وتلخصت مبادئ الإصلاح في النقاط التالية:
- تنمية التدين الحقيقي الصادق.
- بناء المواطن الصالح.
- استخدام طرق تدريس مناسبة لأعمار الطلاب.
- إعداد مناهج تعليمية موجهة للحياة العملية.
ودخلت هذه المبادئ حيز التنفيذ بسرعة، وإلى جانب القراءة والكتابة، قررت المدارس الابتدائية تدريس مواد أخرى موجهة للتطبيق في الحياة العملية، وقامت أديرة مثل سانت أوربان وبيليلاي بإنشاء مدارس نموذجية، وتخصصت في إعداد المعلمين وإعداد مناهج دراسية، وأدى ضم التلاميذ في صفوف مشتركة، واستخدام مناهج متطورة، إلى انتهاء نمط التدريس الفردي، وتوقف الاعتماد على حفظ المعلومات وتسميعها، وفي المدارس الثانوية زاد الاهتمام باللغة الأم وبمادة التاريخ، وحتى المدارس الكاثوليكية لم تصم آذانها عن أفكار عصر التنوير، ولكن رغم كل هذه التطورات، بقي النظام التعليمي السويسري في حاجة ماسة لمزيد من الإصلاحات.
وفي الفترة من 1798 – 1803م، حاول وزير التعليم آنذاك فيليب ألبرت إجراء تعديلات جوهرية على التعليم، من خلال قانون يسري على مستوى الدولة، ولا يقتصر على كانتونات محدودة، وتضمن القانون إصلاح طرق إعداد المعلمين، وتعيين مستشارين تربويين وموجهين تعليميين. ورغم عودة الاختلافات بين الكانتونات بمرور الوقت، إلا أن الميزانيات المخصصة للتعليم ارتفعت، وكان لذلك تأثير إيجابي على تخريج معلمين أكثر كفاءة، وانتشر التدريس في مجموعات كبيرة، تضم طلابًا من مستويات دراسية ومهارات مختلفة.
ابتداءً من عام 1830م رفعت الكانتونات شعار (الشعب المتعلم هو شعب حر)، ولم تعد المناطق النائية تكتفي بالمدارس الابتدائية، وانتشرت المدارس المتوسطة والثانوية في كل مكان من الأراضي السويسرية، وارتفع الوعي بحاجة الصم والبكم لمدارس خاصة بهم، وتأسست مدارس لهم ولفاقدي البصر، ومدارس للفقراء، ومكتبات للطلاب، ومكتبات عامة، بهدف رفع الثقافة عند جميع المواطنين، وزادت الضغوط الحكومية على الأهل لإرسال أطفالهم إلى المدارس، وعدم منعهم بهدف الاستفادة منهم في الأعمال المنزلية، وظهرت النتائج الإيجابية للاستثمارات في إعداد المعلمين، ونشأت جامعتا زيوريخ وبيرن في عامي 1833 و1834م على التوالي.
أدى قانون المدارس الذي صدر في عام 1832م إلى توحيد الكثير من أنظمة التعليم في الكانتونات، وأصبحت فترة التعليم الابتدائي ست سنوات، تليها ثلاث سنوات في المدرسة التكميلية، وارتفع سقف التوقعات من المدارس الثانوية، وتقرر فرض مناهج تعليمية موحدة في جميع المدارس، وكانت نتيجة قانون المدارس في زيوريخ، حصول مديري المدارس على صلاحيات كثيرة، ودرجة عالية من الاستقلالية، وانتشرت في الكانتونات مراكز متخصصة لعمل دورات تدريبية للمعلمين.
نص دستور عام 1874م على إلزامية التعليم، وعلى توفير التعليم المجاني، والمدارس الابتدائية غير المرتبطة بالكنيسة، وأمكن الحد بشدة من تأثير الكنيسة على العملية التعليمية، ولكن وضع صلاحية التعليم الإلزامي في يد الكانتونات، أدى إلى اختلاف عدد سنوات التعليم الإلزامي، وسن الالتحاق بالمدرسة، والمناهج الدراسية، وآلية إعداد المدرسين، وطباعة الكتب المدرسية.
التعليم في القرن العشرين
مع مطلع القرن الماضي استمر تقاسم الصلاحيات عن التعليم بين الكانتونات وبين السلطات المحلية للمناطق، وبين الحكومة المركزية، ولم تكن هناك أبدا وزارة تعليم سويسرية على مستوى الدولة بأكملها، ولكن بدءا من ستينيات القرن الماضي ارتفعت الأصوات من جديد للمطالبة بتوحيد أنظمة التعليم على المستوى القومي.
ويمثل اتفاق التنسيق في القضايا التعليمية الصادر في عام 1970م، سندًا قانونيًا هامًا لتوحيد أنظمة التعليم، فيما يتعلق بسن الالتحاق بالمدرسة، ومدة العام الدراسي، ومواعيد بدء الدراسة، علمًا بأن جميع الكانتونات السويسرية قد صادقت عليه، باستثناء كانتون تيسين، ومن المتوقع أن يكون هذا التوجه لتوحيد الأنظمة بين الكانتونات المختلفة، مدفوعًا من الخارج، حتى يمكن الاعتراف بالشهادات الصادرة من سويسرا ككل، بغض النظر عن الكانتون الذي صدرت فيه، وتؤكد التقارير الحكومية أن هناك اتفاقا بين الكانتونات على الطرق التربوية والتعليمية، على عكس استمرار الاختلافات في المجالات القانونية والسياسية بين مكونات الاتحاد السويسري.
وتجدر الإشارة إلى أن المدارس الخاصة لا تجتذب سوى 5 في المائة من مجموع الطلاب السويسريين، وهي نسبة ضئيلة مقارنة مع بقية الدول الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، إضافة إلى أن سويسرا هي واحدة من الدول القليلة في هذه المنظمة، التي يتفوق فيها طلاب المدارس الحكومية على نظرائهم من المدارس الخاصة. ورغم إلزامية التعليم وتوفر المدارس الابتدائية في كل مكان من أنحاء البلاد، فإن حوالي 200 عائلة سويسرية قررت الاستفادة من القوانين التي تسمح بأن تتولى الأسرة تدريس الأبناء في البيت، وغالبًا ما تكون التوجهات الدينية المسيحية المتشددة وراء هذا القرار، كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية.
إن سويسرا لا تمتلك سياسة تعليمية موحدة، بل هناك 26 نظامًا تعليميًا، أي بعدد الكانتونات، لكل منها مواصفات خاصة، فيما يتعلق بمفهوم إلزامية التعليم، ومدة المدرسة الابتدائية، وتقسيم التعليم في المرحلتين المتوسطة والثانوية، إلا أن الخطوات التي جرت للتقريب بين هذه الأنظمة، يسمح بالحديث عن النظام التعليمي السويسري، رغم أنه لا وجود رسمي له.
الروضة
تهدف الروضة في التعليم السويسري إلى دعم نمو الأطفال، وإعدادهم للالتحاق بالتعليم الابتدائي، ويجري التركيز في هذه المرحلة العمرية على تنمية روح الاستقلالية عند الأطفال، والمهارات الاجتماعية، والثقة في النفس، والتعرف على العالم المحيط به، مع مراعاة أن فترة الروضة لا تتضمن تقييم أداء الطفل، أو تقسيم الأطفال إلى مجموعات، حسب قدراتهم، إلا أن المربيات العاملات في الروضة، يتولين في وقت لاحق اختبار مدى قدرة كل طفل على الالتحاق بالمدرسة، أو التوصل إلى أنه لم يبلغ بعد مرحلة كافية من نضج العقل والمشاعر، تجعله مؤهلاً للالتحاق بالصف الأول الابتدائي.
وفي حين تجعل بعض الكانتونات رأي المربية غير إلزامي، وتترك القرار الأخير لأولياء الأمور في مسألة بقاء ابنهم أو ابنتهم في الروضة، أو الالتحاق بالمدرسة الابتدائية، ترى كانتونات أخرى أن لجانًا تربوية متخصصة أو مديري التعليم في كل منطقة، هم الأقدر على اتخاذ هذه القرارات، وتفرض بعض الولايات الناطقة باللغة الألمانية اجتياز اختبار النضج المدرسي، قبل التحاق الطفل بالمدرسة.
ويتضمن المنهاج المستخدم في رياض الأطفال، تزويدهم بالمعارف الأساسية عن الإنسان والبيئة، والحركة والرسم، والموسيقى، واللغات والرياضيات، ولا تكون هناك حصص للمواد الدراسية، بل يجري تقديم معارف مختلفة في نفس الوقت، مثل تناول كل ما له علاقة بالحركة، فتقوم المربية بممارسة تمارين رياضية مع الأطفال، ثم توضح لهم فوائدها للصحة، ثم تنبههم إلى الطريقة الصحيحة للتنفس أثناء الحركة. وفي مجال آخر توضح لهم كل ما له علاقة بالحواس الخمس، كما يتعلم الأطفال في الروضة كيف يتعاملون مع الشعور بالنجاح وعدم النجاح، مثل أن يفرحوا لزملائهم، ولا يكون بينهم حسد وغيرة، والاستفادة من الإخفاق في موقف ما، لتعلم كيف يصل الطفل للنجاح، ويشعر بأنه حققه بنفسه.
ولا توجد قيود أو شروط على قبول الأطفال في الروضة، وكان الالتحاق برياض الأطفال اختياريا حتى عام 1999م، ولكن بعض الكانتونات أصدرت قوانين تجعل الروضة إلزامية لجميع الأطفال، وحتى عام 2010م كان هناك 15 كانتونًا تفرض السلطات فيها إلحاق الطفل بروضة الأطفال، ولمدة لا تقل عن عام دراسي.
ورياض الأطفال الحكومية في سويسرا مجانية، وتتولى المحليات دفع غالبية التكاليف، أما الكانتونات فإنها تسهم في دفع رواتب المعلمين العاملين هناك، وتتراوح مدة الدراسة في الروضة بين عام إلى عامين، ويبلغ متوسط الفترة التي يقضيها الطفل السويسري في الروضة، سنة وتسعة أشهر، ويلتحق غالبية الأطفال بالروضة في سن خمس أو ست سنوات، وتتراوح فترة الدراسة الأسبوعية في الروضة بين 18 – 22 ساعة، ويبلغ متوسط عدد الأطفال في المجموعة الواحدة داخل الروضة 18 طفلاً.
وتشير الإحصائيات إلى أن 86 في المائة من الأطفال في سويسرا يلتحقون بروضة لمدة عامين دراسيين كاملين، وأن 98.5 في المائة من الأطفال يلتحقون بالروضة عامًا دراسيًا كاملاً على الأقل، ويبلغ عدد الأطفال الملتحقين بالروضة سنويا حوالي 154000 طفل، 48.7 في المائة منهم من الإناث، وتبلغ نسبة أبناء الأجانب بين أطفال الروضة، حوالي 27.2 في المائة، وهناك 7300 مربٍ ومربية يعملون في رياض الأطفال، ويتقاسمون 5900 وظيفة كاملة بينهم.
وهناك توجهات في العديد من الكانتونات بإدماج سنة أو سنتين من الروضة مع الصفين الأول والثاني من المرحلة الابتدائية، وإطلاق اسم (المرحلة التأسيسية) على هذه المرحلة التي تستمر لمدة ثلاثة أو أربعة أعوام، وتزول بذلك الحدود الفاصلة بين الروضة والمرحلة الابتدائية، بشرط أن يتحدد طول هذه المرحلة التأسيسية بناء على مستوى نمو الطفل الذهني والنفسي.
فترة التعليم الإلزامي:
تشمل فترة التعليم الإلزامي المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، وتستمر المرحلة الابتدائية في غالبية الكانتونات السويسرية ستة أعوام، ويدرس التلاميذ 23 – 32 حصة أسبوعيًا، حسب الصف الدراسي، والهدف من هذه المرحلة التعليمية هو توفير المناخ المناسب لإطلاق القدرات الذهنية والإبداعية لدى الأطفال، وتنمية قدراتهم البدنية والموسيقية، واكتساب الوعي بالمسؤولية عن النفس وعن البيئة وعن الناس من حولهم وعن المجتمع ككل.
ويتولى كل كانتون وضع المناهج الدراسية الخاصة بمدارسه، ولكن هناك إجماعا بين الكانتونات المختلفة على المواد الدراسية، وهي: اللغة الأم (الألمانية أو الفرنسية أو الإيطالية أو الرومانشية)، ولغة أجنبية، والرياضيات، والتاريخ، والتربية الوطنية، والجغرافيا، والعلوم الطبيعية، والرسم، والأشغال اليدوية والحرفية، والموسيقى والرياضة.
ويجري تقييم التلاميذ عن طريق الدرجات أو التقارير الدراسية، وفي غالبية الكانتونات لا يحصل طالب الصف الأول الابتدائي على درجات، بل على تقرير دراسي، أو تقييم شفهي، يبلغه المعلم لولي الأمر، وابتداءً من الصف الثاني الابتدائي، يحصل الطالب على درجة تتراوح بين 1 – 6، علمًا بأن 6 تعادل (جيد جدًا)، وتوزع الشهادات مرتين في كل عام دراسي.
أما المرحلة المتوسطة فتهدف إلى حصول الطالب على قاعدة أساسية من المعلومات في مختلف فروع العلم، وتمثل مرحلة إعداد للانتقال بعد ذلك إلى التعليم المهني أو التعليم الثانوي العام الذي يؤهل للدراسة الجامعية، أو التعليم الثانوي الفني، الذي يمكن للطالب أن يتوقف عن الدراسة بعده، أو ينتقل إلى معهد فني عال.
وتتولى الكانتونات أيضًا وضع المناهج الدراسية لطلابها في مرحلة التعليم المتوسط، ويدرس الطلاب المواد التالية: اللغة الأم حسب المنطقة، ولغتين أجنبيتين، إحداهما على الأقل من اللغات المستخدمة في الكانتونات الأخرى - لكن بعض المدارس الفنية والمهنية تكتفي بلغة أجنبية واحدة - والرياضيات، والعلوم الطبيعية، والجغرافيا، والتاريخ، والتربية الوطنية، والتدبير المنزلي، والأشغال اليدوية، والرسم والموسيقى والرياضة.
وتنقسم المدارس المتوسطة إلى ثلاثة أنواع: مدارس ذات مناهج مبسطة، تركز على التعليم غير النظري، ومدارس ذات مناهج متوسطة المستوى، وتقدم تعليمًا مزدوجًا يجمع بين المواد النظرية والعملية، ومدارس ذات مناهج رفيعة المستوى، وهي التي تركز على العلوم النظرية، وتتوفر إمكانية الانتقال من أحد هذه المدارس إلى النوعين الآخرين. ومازالت هذه الأنواع الثلاثة في طور التجربة منذ سنوات، وفي كانتون تورجاو جرى دمج كل أنواع المدارس في مدرسة موحَّدة، مع الفصل بين الطلاب حسب المستوى في المواد التالية: اللغة الأم (الألمانية)، والرياضيات، واللغتين الفرنسية والإنجليزية، وفي كانتون بيرن هناك أربعة أنواع من المدارس المتوسطة، مع إمكانية الانتقال من واحدة إلى أخرى، وتقرر لجنة تعليمية أي المدارس يلتحق بها الطالب، تبعا لقدراته وميوله.
وغالبًا ما يكون الانتقال من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة المتوسطة، بدون اختبارات نهاية المرحلة الابتدائية، كما هو معتاد في الكثير من الدول العربية، بل يعتمد الأمر على التوصية التي يصدرها معلمو الصف، بناء على مستوى الطالب في المواد الدراسية، وبخاصة اللغة الأم واللغة الأجنبية المستخدمة في الكانتونات الأخرى في سويسرا، والرياضيات، كما يؤثر سلوك الطالب في العمل، ومدى التزامه بتأدية الواجبات والمشاركة في الدرس، في هذه التوصية، ولكن بعض الكانتونات تطالب بإجراء اختبار، خاصة إذا لم تتوفر توصية من المعلم، حول المدرسة المناسبة لقدرات الطالب.
وتستمر المرحلة المتوسطة في عشرين كانتونا لمدة ثلاثة أعوام، مقابل أربع أو خمس سنوات في الكانتونات الست المتبقية، ويتراوح عدد الحصص لطلاب هذه المرحلة ما بين 27 – 37 ساعة أسبوعيًا، ويبلغ متوسط حجم الصف 19 طالبًا.
ويبلغ عدد طلاب المرحلة المتوسطة تبعا لأحدث الإحصائيات 297000 طالب وطالبة، نصفهم تقريبا (49,6%) من الإناث، التحق 80500 منهم بالمدارس ذات المناهج المبسطة، و171300 طالب في المدارس ذات المناهج متوسطة المستوى، و45400 في المدارس رفيعة المستوى، وتبلغ نسبة الطلاب الأجانب في المرحلة المتوسطة 21 في المائة، ويقوم 22600 معلم ومعلمة بالتدريس لهم، ويتقاسمون 19200 وظيفة كاملة.
المرحلة الثانوية:
ينقسم التعليم الثانوي إلى تعليم ثانوي فني وتعليم ثانوي عام، وتبلغ نسبة الطلاب الذين يلتحقون بالتعليم الثانوي حتى نهايته، ما يعادل 90 في المائة من مجموع الشباب في هذه السن.
يوجد تعليم فني لمدة عامين فقط بعد المرحلة المتوسطة، ويحصل الطالب فيها على المعلومات الأساسية فقط للتخصص الفني المطلوب دراسته، ويحصل على شهادة تفيد بذلك، كما يوجد تعليم فني لمدة ثلاثة أو أربعة أعوام، ويكتسب الطالب في التعليم الثانوي الفني خبرات ومهارات ومعارف، يحتاج إليها من يريد ممارسة مهنة معينة، وتنقسم الدراسة إلى قسم نظري، يدرس فيه الطالب مواد علمية في الصف المدرسي، وقسم تطبيقي، ويتضمن التدريب العملي على أرض الواقع، تحت إشراف معلمين فنيين، ويمكن للطالب أن يقوم بدراسة متعمقة في هذه المجالات، ليحصل بعد هذه المرحلة الثانوية الفنية، على شهادة إنهاء التعليم الثانوي الفني.
وجدير بالذكر أن فترة الدراسة التي تستمر عامين، هي البديل الجديد للفترة التي كان الطالب يدرسها باعتبارها مرحلة تمهيدية للدراسة الثانوية الفنية الفعلية، وبعد هذه الدراسة يؤدي الطالب اختبار (شهادة المهنة)، وهي معترف بها في كافة أنحاء البلاد، أما الدراسة التي تستمر لمدة ثلاثة أو أربعة أعوام فإنها تعتبر فترة لاكتساب التخصص في إحدى المهن، والبالغ عددها 200 مهنة، إذا درسها الطالب حصل على (شهادة كفاءة)، وهي أيضا معترف بها على مستوى الاتحاد السويسري.
ويعتمد التحاق الطلاب بالتعليم الثانوي الفني، على درجات الطالب في المرحلة المتوسطة، وعلى طلب الالتحاق الذي يكتبه الطالب، وعلى المقابلة الشخصية، والتي غالبًا ما تعقبها اختبارات قبول، للتعرف على مدى استعداد الطالب للتخصص المهني الذي يرغب في دراسته والتدريب عليه.
وتكون الدراسة في ورش تعليمية لمدة ثلاثة إلى أربعة أيام في الأسبوع، وفي المدارس لمدة يوم أو يومين في الأسبوع، وفي دورات مشتركة مع المتدربين في الكثير من الورش، ولا يتم الاستغناء عن التدريب في الورش، والاقتصار على المدرسة إلى في حالات نادرة، مثل دراسة علم الحاسوب.
ولا يحصل الطالب على شهادة الثانوية الفنية السويسرية المعروفة باسم (ماتورا الفنية)، إلا بعد دراسة تستمر ثلاث أو أربع سنوات، ويؤدي الطالب الاختبار في المدرسة الثانوية الفنية، التي يدرس فيها، إلى جانب التدريب العملي في الورش التعليمية، ويجري منح هذه الشهادة في الفروع التقنية والتجارية والفنية والصناعية والعلوم الطبيعية والعلوم الصحية، والاجتماعية.
ويدرس الطلاب في التعليم الثانوي الفني مواد أساسية هي: اللغة الأم، ولغة سويسرية ثانية، ولغة سويسرية ثالثة، والتاريخ، وأنظمة الحكم، والاقتصاد، والحقوق، والرياضيات، علاوة على ذلك يدرس الطلاب مواد تخصصية، ذات علاقة بالمهنة التي اختارها، كما توجد مواد تكميلية.
وقد بلغ عدد الملتحقين بالمدارس الفنية في سويسرا 210000 طالب وطالبة، 45 في المائة منهم من الإناث، وأكثر المهن التي يقبل عليها الطلاب هي: تاجر، بائع ، موظف تجارة قطَّاعي (تجزئة)، طبّاخ، فني كهرباء. علما بأن 10000 طالب وطالبة يحصلون سنويًا على شهادة الثانوية الفنية.
التعليم الثانوي العام
يهدف التعليم الثانوي إلى تنمية قدرة الطلاب على اكتساب معارف أساسية، والانفتاح الفكري، والقدرة على إصدار أحكام بصورة مستقلة، لأن نضج الشخصية يعتبر شرطًا أساسيًا للالتحاق بالدراسة الجامعية فيما بعد، كما يسعى التعليم الثانوي إلى تنمية القدرات الذهنية، وإلى نضج الشخصية، والاعتماد على النفس في البحث عن المعارف، والقدرة على التعامل الإيجابي مع تقنيات المعلومات.
وتستغرق الدارسة الثانوية العامة في الكانتونات المختلفة ثلاث إلى أربع سنوات، ويدرس الطلاب سبع مواد أساسية، علاوة على مادة محورية، يكون عليها التركيز، ومادة تكميلية، ويكون توزيع الوقت عليها كالتالي:
- المواد الأساسية (مجموعة اللغات) 30 – 40 في المائة.
- المواد الأساسية (الرياضيات والعلوم الطبيعية) 20 – 30 في المائة.
- المواد الأساسية (العلوم الإنسانية والاجتماعية) 10 – 20 في المائة.
- المواد الأساسية (الفن) 5 – 10 في المائة.
- المادة المحورية، والمادة التكميلية، وبحث التخرج في الثانوية 15 – 25 في المائة.
ويتضح من ذلك أن المواد الأساسية هي: اللغة الأم (الألمانية، أو الفرنسية، أو الإيطالية، أو الرومانشية)، واللغة السويسرية الثانية، واللغة الثالثة (إما لغة مستخدمة في سويسرا، أو الإنجليزية، أو لغة قديمة مثل اللاتينية أو اليونانية القديمة)، والرياضيات، والعلوم الطبيعية (الأحياء والكيمياء والفيزياء)، والعلوم الإنسانية والاجتماعية (التاريخ، الجغرافيا، مبادئ الاقتصاد والقانون والفنون التشكيلية، والموسيقى).
أما المادة المحورية فهي واحدة من المواد التالية: إحدى اللغات القديمة، أو لغة حديثة (لغة مستخدمة في سويسرا، أو الإنجليزية، أو الإسبانية، أو الروسية)، الفيزياء وتطبيقات الرياضيات، الأحياء والكيمياء، الاقتصاد والقانون، الفلسفة وعلم النفس وعلم التربية، الفنون التشكيلية، والموسيقى.
بالنسبة للمادة التكميلية فيجري اختيارها من بين المواد التالية:
الفيزياء، الكيمياء، الأحياء، تطبيقات الرياضيات، التاريخ، الجغرافيا، الفلسفة، علم الدين، الاقتصاد والحقوق، التربية وعلم النفس، والفنون التشكيلية، الموسيقى، الرياضة، ومنذ العام الدراسي 2008/2009م، جرت الموافقة على إدراج علم الحاسوب، بين هذه المواد.
ويقوم كل كانتون بوضع الشروط المناسبة للقبول في التعليم الثانوي العام، وتقبل أكثر من نصف الكانتونات، الطالب الحاصل على علامات مرتفعة جدا في نهاية التعليم المتوسط، بدون اختبار قبول، وتكتفي بتقييم المعلمين، ولكن بقية الكانتونات تفرض تأدية اختبار تحريري وآخر شفهي، وتعتبر نصف السنة الدراسية الأولى في التعليم الثانوي العام، فترة تجربة يتقرر بعدها بقاء الطالب، أو نقله من المدرسة.
ويستمر التعليم الثانوي العام ثلاثة إلى أربعة أعوام، ويبلغ متوسط عدد الحصص الأسبوعية 36 حصة، ويحصل الطالب في نهاية المرحلة الثانوية على شهادة (ماتورا)، التي تؤهله للالتحاق بالدراسة الجامعية.
وتبعًا لأحدث الإحصائيات فإن هناك 63400 طالب وطالبة مسجلين في مدارس التعليم الثانوي العام، أكثر من نصفهم من الإناث، وبنسبة 56 في المائة، وتبلغ نسبة المسجلين في المدارس الخاصة حوالي 8 في المائة من مجموع الطلاب، أما الطلاب الأجانب فإنهم يشكلون 13 في المائة من طلاب المدارس الثانوية العامة، وفي عام 2004 حصل 16000 طالب وطالبة على شهادة الثانوية العامة السويسرية، وهناك 170 مدرسة ثانوية عامة في جميع الكانتونات، تعترف الدولة بالشهادات الصادرة منها، ويبلغ عدد وظائف التدريس الكاملة المخصصة للتعليم الثانوي العام 7500 وظيفة.
وهناك مدارس ثانوية عامة تختلف عن المعايير السائدة في سويسرا، ورغم ذلك تحظى باعتراف الدولة، وتكون هذه المدارس ذات توجهات موسيقية أو تركز على التخصصات التربوية، مثل ثانوية كرويتسلنجن، التي يسهم تركيزها على المواد التربية، في حصول طلابها على قبول في كلية التربية الواقعة في نفس المنطقة.
المدارس الثانوية المتخصصة
هذا النوع من المدارس له أهداف شبيهة بالثانوية العامة، من السعي لحصول الطلاب على معارف عامة متعمقة، وتنمية القدرات الذاتية والاجتماعية، لكن الاختلاف أن الدراسة في هذه المدارس تركز على تحضير الطالب في مجالات محددة، وتؤهله للالتحاق لاحقًا بالمعاهد العليا المتخصصة، والجامعات التطبيقية، ولا يحق لخريج هذه المدارس أن يلتحق بالجامعات غير التطبيقية.
ويشمل المنهاج الدراسي لغات، ورياضيات، وعلوما طبيعية، وعلوما اجتماعية، ومواد موسيقية، ورياضة، أما المواد ذات العلاقة بمجال العمل المستقبلي، فتشمل: الصحة، والاجتماع، والتربية، والاتصالات والمعلوماتية، والفن التشكيلي، والموسيقى، والمسرح، ومطلوب من الطالب أن يؤدي فترة تدريب عملي، وإنجاز مشروع بحث تخرج بصورة مستقلة.
وتستمر الدراسة في المدارس الثانوية المتخصصة، ثلاثة أعوام، وتنظم السلطات على مستوى الكانتون القبول في هذه المدارس، ويحصل الطالب في نهاية الدراسة على (ماتورا متخصصة)، لا تتيح له دراسة كل فروع العلم في الجامعات، بل دراسة التخصصات التي تتلاءم مع نوع دراسته الجامعية.
مدارس الرعاية الخاصة
بالنسبة للأطفال والشباب، الذين لا يستوفون شروط الالتحاق بمدارس التعليم العام، توجد مدارس رعاية خاصة، كما توجد صفوف للرعاية الخاصة داخل مدارس التعليم العام، وتقدم لهم المدارس خدمات الانتقال من المدرسة وإليها، وأخصائيين للرعاية الخاصة، وأطباء لمتابعة حالتهم، وأخصائيين لتقديم المشورة للأهل.
وقد بلغت نسبة التلاميذ والطلاب المسجلين في مدارس الرعاية الخاصة في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة حسب آخر الإحصائيات، 50431 طالبًا وطالبة، وكانت نسبة الإناث بينهم 37,8 في المائة، أما نسبة الأجانب بينهم فقد بلغت 45,7 في المائة، ومتوسط عدد طلاب الصف في مدارس الرعاية الخاصة يبلغ 9 طلاب تقريبًا.
التعليم العالي
يشمل التعليم العالي في سويسرا، الدراسة في الجامعة وفي الجامعات التطبيقية، وفي الجامعات التربوية، وفي المعاهد العليا، ومن ضمن التخصصات الموجودة في المعاهد العليا: الدراسات الفندقية، والسياحة، والاقتصاد، والزراعة والغابات، والصحة والاجتماع، وتعليم الكبار.
وهناك 12 جامعة (10 منها جامعات إقليمية داخل كانتون معين) وجامعتان تقنيتان، علاوة على ذلك فهناك 8 جامعات تطبيقية، واحدة منها فقط خاصة، وأخيرًا هناك 16 جامعة تربوية.
ولا تقدم الجامعات الإقليمية كل التخصصات العلمية بل تقتصر على بعضها فقط، مثل: اللاهوت، والعلوم الإنسانية والاجتماعية، والرياضيات والعلوم الطبيعية، والحقوق، والاقتصاد، والطب والصيدلة. أما الجامعات التقنية السويسرية الاتحادية فإنها تتيح للطلاب دراسة العلوم الهندسية والطبيعية، والهندسة المعمارية، والصيدلة، الرياضة، والعلوم العسكرية.
وترى المعاهد العليا السويسرية مهمتها في توفير تخصصات دراسية مرتبطة بالتطبيق العملي، مثل التقنيات وتقنيات المعلومات، والهندسة المعمارية، والتخطيط والبناء، والكيمياء، وعلوم الحياة، وعلوم الزراعة والغابة، والاقتصاد والخدمات، والتصميم، والصحة، والعمل الاجتماعي، والفن، والموسيقى والمسرح، وعلم النفس التطبيقي، وعلم اللغة التطبيقي.
التعليم مدى الحياة
توفر الحكومة المركزية وحكومات الكانتونات ما يسمى (بورصة عروض التعليم مدى الحياة)، والتي تتضمن تقديم 30000 دورة تدريبية، لمن يرغب في مواصلة التعلم، وتطوير قدراته ومعارفه، والحصول على مؤهلات إضافية في مجال عمله أو في أي مجال آخر، ودورات لتعليم الكبار.
تحديات مستقبلية
تعترف السلطات التعليمية السويسرية بأنها تواجه تحديات، تسعى للتغلب عليها في السنوات القادمة، على رأسها وضع نظام سويسري مركزي للإشراف على التعليم ككل، يكون قابلا للتنفيذ، وذلك بعد وضع معايير مشتركة للتعليم تسري على المدارس في مختلف الكانتونات، وإلزام كل القائمين على العملية التعليمية بتحقيق أهداف تعليمية في جميع المواد الدراسية، خلال فترات زمنية محددة.
وتسعى السلطات إلى الاستفادة من قدرات التعلم عند الطفل في السنوات الأولى من عمره، ولذلك ستلغي شرط عدم قبول الطفل قبل إتمام السنة السادسة من عمره، والتعامل مع مسألة العمر، بطريقة مرنة، تعتمد على قدرات كل طفل، وإدماج مرحلة الروضة مع المرحلة الابتدائية، وهو الأمر الذي وافقت عليه غالبية الكانتونات، وبدأت في تنفيذه بالفعل.
بعد ظهور نتائج الاختبارات الدولية التي توضح ضعف مستوى القراءة عند الأطفال في سويسرا، تقرر وضع المزيد من الخطط للارتقاء بمستواهم، والتركيز على اللغة الأم بصورة كبيرة، مع عدم إهمال اللغات الأجنبية في فترة لاحقة من المرحلة الابتدائية، لأن استيعاب الطفل للغات الأجنبية، يكون فيها أكبر من أي فترة لاحقة.
ومن المقرر أيضًا أن تلعب تقنيات المعلومات والاتصالات، دورا أكبر في العملية التعليمية، واعتبارها مكونًا أساسيًا في كل الدرس ولمختلف المواد الدراسية، وفي كل المراحل التعليمية، وأن يستخدمها المعلم والطالب بنفس الدرجة والإتقان.
وضع برامج تقوية للطلاب الأجانب الذين يمثلون خمس عدد الطلاب في سويسرا، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بالأوضاع العالمية، والعمل على تنمية قدراتهم اللغوية، علمًا بأن المدرسة لا تمثل مكانًا للتعلم فقط لهؤلاء الطلاب الأجانب، بل هو المكان المناسب لإدماجهم في المجتمع السويسري، والتقريب بينهم وبين زملائهم السويسريين، رغم الاختلافات الثقافية والدينية.
سويسرا التي يتحدث العالم كله عنها باعتبارها رمزًا للإتقان والتفوق، تترك المدح يأتيها من الخارج، لكنها تعلم تماما أن ما حققته حتى الآن، ليس كافيًا، وأن هناك دومًا إمكانية للتحسن، ولذلك تبحث عن جوانب القصور، وتسعى لتلافيها، مما يجعلها جديرة بالسمعة التي حصلت عليها بجهدها، وبجهد كل معلم، وكل طالب فيها، إنها قصة شعب مجتهد، يسير على مبدأ «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً، أن يتقنه».